هشام شعباني-خاص ترك برس
يعيش الشعب الأذربيجاني، اليوم، على وقع لحظات تاريخية بعد إعلان الرئيس إلهام علييف تحرير مدينة شوشة، عاصمة الثقافة الأذربيجانية في جنوب القوقاز من الاحتلال الأرميني، فيما تتابع الشعوب العربية تلك الانتصارات بفرحة مغمسة بمرارة واقع الوهن والهوان وقلة الحيلة.
وأعلن علييف، اليوم الأحد، من أمام نصب الشهداء في العاصمة الأذربيجانية باكو، تحرير مدينة شوشة التي تعتبر مهدًا للحضارة والثقافة الأذربيجانية ورمزًا لإقليم قره باغ بسبب ثرائها التاريخي والثقافي وجمالها الطبيعي.
وتزامنت مظاهر الفرح في مناطق مختلفة من أذربيجان، بمناسبة تحرير شوشة التي توصف بأنها أكثر من مجرد مدينة بالنسبة للشعب الأذربيجاني، مع تهنئة وجهها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأذربيجان قيادة وشعبًا، أشار فيها أن فرحة الأذربيجانيين في تحرير أراضيهم المحتلة، هي فرحة بالنسبة لتركيا أيضا.
لقد تمكنت أذربيجان بالفعل من تحرير مدينة شوشة، أهم حواضر جنوب القوقاز وأقدمها، بعد احتلال أرميني استمر نحو 28 عامًا، فيما أعلن علييف أن هذا اليوم (8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) سيحفر كـ "يوم للانتصار التاريخي" في الذاكرة الأذربيجانية.
وشدد علييف في خطاب موجه للشعب ألقاه اليوم، على أن الانتصار الذي حققته أذربيجان في شوشة لم يتحقق خلف طاولات المفاوضات، بل في ساحات المعركة، لأن السنوات الثلاثين التي قضتها بلاده في المفاوضات من أجل استعادة أراضيها المحتلة كانت "بلا معنى" ولم تصل من خلالها إلى أي نتيجة.
لقد دأبت الحكومات الأرمينية المختلفة، خلال السنوات الثلاثين الماضية، على إبقاء قضية احتلال إقليم قره باغ والأراضي الأذربيجانية المحتلة، أزمة مجمّدة، لكسب الوقت وتعزيز الوضع الراهن وضمان استمراره لتسقط القضية بالتقادم.
إن المراقب للتاريخ السياسي الأذربيجاني، يدرك حقيقة الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها أذربيجان ولسنوات، من أجل التنازل عن حقوقها المشروعة والتصالح مع الوضع وتقبل الاحتلال، إلا أن القيادة السياسية في أذربيجان رفضت التوقيع على أي اتفاق لا يلبي مصالح الشعب الأذربيجاني.
خلال سنوات الاحتلال، عمد الجانب الأرميني على محو الآثار التاريخية الأذربيجانية في المنطقة من مساجد ومدارس وأضرحة تاريخية، وتدمير مدن أذربيجانية بأكملها وعلى رأسها "فضولي" و"كلبجار" و"جبرائيل" و"زنكيلان" و"لاجين" و"قوبادلي"، واستغلال الثروات الباطنية لتلك المناطق وتحويل "قره باغ" والأراضي المحتلة إلى مركز لإنتاج وتصدير المخدرات وتطبيق سياسات الاستيطان غير القانوني.
إن هذه الإجراءات التي اتخذتها القيادة الأرمينية ضد الوجود الأذربيجاني في الأراضي المحتلة، دفعت علييف للتأكيد مرارًا وتكرارًا على عزم بلاده على إعادة بناء أوابدها الثقافية وآثارها التاريخية والمساجد التي دمرتها أرمينيا في المنطقة.
خلال العقدين الماضيين، عملت أذربيجان بشكل دؤوب على بناء جيش متطور ومحترف، واقتصاد يتجه نحو التنوع رغم الاعتماد على النفط، وبناء مؤسسة دبلوماسية استندت أنشطتها إلى قواعد ومبادئ القانون الدولي، لاسيما مع اعتماد مجلس الأمن الدولي أربع قرارات (822 و853 و874 و884) تدين احتلال أرمينيا لأراضٍ أذربيجانية عام 1993 وتطالب يريفان بالانسحاب غير المشروط والفوري من الأراضي المحتلة وعودة النازحين الأذربيجانيين إلى أراضيهم، والذي يبلغ عددهم نحو مليون نازح داخل أذربيجان.
ضربت يريفان عرض الحائط بجميع القرارات الدولية، من خلال الاستقواء بأطراف دولية، وراهنت على كسب الوقت من أجل تعزيز الوضع القائم، إلا أن هذا الوقت لم يلعب لصالحها، بل أدى إلى عزلها عن المشاريع الاستراتيجية والاقتصادية الكبرى التي تحققت من قبل جيرانها الأتراك (تركيا وأذربيجان) والتي أعادت صياغة خريطة الطاقة والنقل في المنطقة.
سعت يريفان إلى توجيه ضربة لتلك المشاريع، لاسيما من خلال الهجمات العسكرية التي شنتها في الفترة ما بين 12 – 16 يوليو/ تموز الماضي على منطقة "توفوز" التي تشكل أهم معبر لنقل النفط الأذربيجاني والتركمانستاني إلى تركيا ثم أوروبا عبر جورجيا. أعقب ذلك تهديدات بقصف مدينة "كنجه"، ثاني أكبر مدن أذربيجان، وإرسال مجموعات للقيام بأعمال تخريبية داخل الأراضي الأذربيجانية، واستفزاز الجانب الأذربيجاني من خلال توطين مواطنين سوريين ولبنانيين من أصول أرمنية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة.
وبعد الخروقات الأرمينية واسعة النطاق التي امتدت على كامل خط وقف إطلاق النار، تمكنت أذربيجان ومنذ 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، من تحرير أكثر من 200 مدينة وقرية وبلدة، و4 مدن سبق ودمرتها أرمينيا خلال سنوات الاحتلال (فضولي، وجبرائيل، وزنكيلان، وقوبادلي)، قبل أن يعلن الرئيس الأذربيجاني اليوم انضمام شوشة إلى قائمة المدن المحررة.
وهنا لا بد من القول إن الانتصارات الميدانية التي حققتها أذربيجان من أجل استعادة أراضيها المحتلة وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، جاءت كثمرة من ثمار الاعتماد على الذات وبذل الجهود المضنية التي استمرت لنحو عقدين من الزمن وفي عدة ميادين أبرزها الاقتصاد والدبلوماسية وبناء القوات المسلحة.
خلاصة القول، إن التجربة الأذربيجانية التي رأينا نتائجها اليوم وخلال الأشهر الماضية، أظهرت لكل ذي لب أن نيل المطالب لا يكون بالتمني لأن الدُنيا تؤخذ غِلابا، وأن التسابق في إظهار الطاعة للقوى الدولية (شرقية وغربية) مقابل التنمر على الشعوب، وإطلاق العنان للشعارات الرنانة بتحرير الأرض والعرض بعد إتمام تهجير الشعب لبناء "مجتمعات متجانسة"، لن يحمي عروشًا ولن يبني أوطانا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس