ترك برس
تحدث الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، عن محاولات للقوى الدولية والإقليمية الجديدة لإشعال صدام بين العنصريين والإسلاميين في تركيا.
وقال ياشا إن تركيا شهدت قبل انقلاب 1980 العسكري صراعا مسلحا بين مجموعات يسارية وأخرى يمينية، راح ضحيته عدد كبير من الشباب من كلا الطرفين، واتضح فيما بعد أن تأجيج ذاك الصراع كان من تدبير القوى التي وقفت وراء الانقلاب لتمهد الطريق إليه وتهيئ المجتمع التركي كي يتقبل الانقلاب ويرحب به.
وأوضح أنه تم أيضا استهداف أمن تركيا واستقرارها بين الفينة والأخرى من خلال محاولات لإشعال صراعات بين الأتراك والأكراد أو بين السنة والعلويين أو بين العلمانيين والمتدينين. "ويبدو أن محاولة القوى الدولية والإقليمية الجديدة تهدف إلى إشعال صدام بين العنصريين والإسلاميين".
ولفت في مقال بصحيفة عربي21 إلى أن حزب الحركة القومية الذي أسسه العقيد الراحل، ألب أرسلان توركش، هو الذي يمثل القوميين الأتراك في الساحة السياسية إلى حد كبير. ونجح رئيسه الحالي، دولت بهتشلي، في إبعاد أعضاء شبيبة الحزب التي يطلق عليها "الذئاب الرمادية"، عن الوقوع في الفخ الذي وقعوا فيه في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
"ولما فشلت محاولات جر شباب حزب الحركة القومية إلى الشوارع للاشتباك مع اللاجئين السوريين، احتاجت القوى الدولية والإقليمية التي تريد إشغال تركيا بمشاكل داخلية، إلى تيار سياسي يحرض الغوغاء ضد العرب واللاجئين السوريين باسم القومية التركية، ووجدت ضالتها في حزب النصر/الظفر برئاسة العنصري المطرود من حزب الحركة القومية، أميد أوزداغ".
ويرى ياشا أن الحزب الذي أسسه أوزداغ لا يقدم للشعب التركي غير شعارات تدعو إلى معاداة اللاجئين السوريين والأفغان. ومنذ تأسيسه، يحذر كثير من المحللين من أن مشاعر العنصرية التي يؤججها هذا الحزب تشكل خطرا كبيرا يهدد المجتمع التركي، كما لفتوا إلى أن خطر هؤلاء لن يستهدف اللاجئين فحسب، بل سيتعدى إلى المستثمرين والسياح العرب، والمواطنين الذين ينتمون إلى تيارات مختلفة، وحتى علاقات تركيا مع دول أخرى. وظهرت في الآونة الأخيرة عدة مؤشرات تؤكد صحة ذاك التحذير.
ومن تلك المؤشرات، ما حدث بعد تأجيل مباراة الكأس السوبر التركي التي كان من المفترض أن يلعبها فريقا نادي فنربخشة ونادي غلاطة سراي التركيين في ملعب "الأول بارك" في الرياض، إذ بدأ المنتمون إلى تيار أوزداغ والمتأثرون بتصريحاته المثيرة، يشنون في مواقع التواصل الاجتماعي حملة شرسة ضد السعودية والعرب، لدرجة أن بعضهم تجرؤوا على الإساءة إلى الكعبة المشرفة. ووصف رئيس الجمهورية التركي، رجب طيب أردوغان، تلك الحملة بــ"محاولة تخريب تستهدف مصالح تركيا وعلاقاتها مع الدول الشقيقة".
وتابع ياشا: هؤلاء العنصريون الذين يقودهم أوزداغ وحزبه، لديهم مشكلة مع الإسلام وقيمه ورموزه. بل ويذهب بعضهم إلى أن الإله الذي يؤمنون به، ويسمونه "تَنْغْرِي"، غير الإله الذي يؤمن به جميع المسلمين، ويعتبرون انتماءهم القومي "دينا لا يحتاجون إلى غيره". ولذلك، يكرهون لغة القرآن الذي أنزله الله بلسان عربي مبين.
وفي إحدى تجليات هذا الكره، قام شاب عنصري بضرب مواطن في وجهه خلال عودته من مسيرة تضامن مع الشعب الفلسطيني وكان يحمل راية خضراء مكتوبا عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله". ومن غير المعروف حتى الآن مدى ارتباط ذاك الشاب بتيار أوزداغ، إلا أن المؤكد أن أنصار الأخير رحبوا بجريمته الشنيعة، وصفقوا له، ودافعوا عنه.
هناك حساب في منصة "X" يحمل اسم "الشباب المعارض"، ويُعتقد أن صاحبه على صلة بحزب النصر/الظفر. ونشر ذاك الحساب قبل أيام صورة جنازة متين يوكسل، أحد قادة الإسلاميين الذي تم اغتياله في مسجد الفاتح بإسطنبول في 23 شباط / فبراير 1979، وكتب في ذات التغريدة: "قتلنا أعقل واحد منكم في ساحة مسجد الفاتح. فليكن الشيوعيون الخضر عقلاء!"، في إشارة إلى الإسلاميين. وبعد أيام من هذا التهديد الصريح، تمت محاولة اغتيال إمام مسجد الفاتح من خلال طعنه داخل المسجد من قبل شخص يتظاهر بأنه يعاني من مشاكل نفسية.
تركيا مقبلة على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 آذار/ مارس القادم. ويعاني حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، من مشاكل عديدة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أن قرار الحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير بشأن خوض الانتخابات المحلية دون التحالف مع أي حزب آخر، يجعل فوز مرشحي حزب الشعب الجمهوري في أنقرة وإسطنبول وإزمير مهمة في غاية الصعوبة.
ولذلك، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري سيسعى إلى إثارة توتر بين الإسلاميين والقوميين في هذه الانتخابات للحفاظ على شعبيته، ولفت انتباه الناخبين عن تحالفه مع الانفصاليين الأكراد، ومحاولة الإيقاع بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك توتر متصاعد بين تركيا وإسرائيل بسبب موقف أنقرة من المقاومة الفلسطينية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي يجعل أهداف تل أبيب تتقاطع مع حزب النصر/الظفر وحزب الشعب الجمهوري في تحريض العنصريين ضد الإسلاميين وقضايا المسلمين؛ على رأسها القضية الفلسطينية، وإثارة القلاقل والاضطرابات في تركيا.
حزب الحركة القومية، كممثل رئيسي لتيار القوميين الأتراك، ما زال يشكل "صمام أمان" يحول دون تورط القوميين في أعمال العنف والكراهية. ودافع رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في كلمته أمام نواب حزبه، عن رفع راية التوحيد التي بدأ حزب الشعب الجمهوري يستهدفها لأغراض سياسية.
ومن المؤكد أن الإسلاميين أيضا على قدر كبير من الوعي والتجربة يجعلهم لا يقعون بسهولة في الفخ الذي ينصب لهم، إلا أن الحكومة التركية هي الأخرى مطالبة باتخاذ تدابير صارمة من أجل إزالة خطر السموم التي يبثها حزب النصر/الظفر في المجتمع التركي، وتهدد أمن البلاد واستقرارها وسلمها الأهلي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!