ترك برس
تلقت تركيا بترحيب واسع قراراً كانت تنتظره منذ 3 سنوات، ومن المتوقع أن يكون ذو تأثير إيجابي كبير على اقتصادها الذي دخل طور التعافي من الأزمات.
والجمعة الفائت، رفعت الجمعية العامة لمجموعة العمل المالي "فاتف" (FATF) تركيا من القائمة الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص فيما يتعلق بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بعد استيفاء 40 معيارا حددتها المجموعة.
وأفادت المنظمة الدولية المكلفة بتنسيق وتقييم سياسات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، خلال بيان صدر عقب ختام اجتماع الجمعية العامة لفريق العمل المالي في سنغافورة، أن تركيا حققت تقدما ملحوظا في تعزيز نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأشاد البيان بالجهود التي بذلتها أنقرة في تحسين الاستجابة للتقييمات المتبادلة وتفعيل الإجراءات الإستراتيجية لمكافحة هذه الظواهر الخطيرة، مشيرا إلى أن تركيا لن تخضع بعد الآن لعملية المراقبة المتزايدة التي تقوم بها مجموعة العمل المالي.
وكانت فاتف قد أدرجت تركيا، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، على "القائمة الرمادية" بسبب ما سمته قصورا في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وجاءت الخطوة الأخيرة بعد أن عقد فريق من المجموعة اجتماعات مع السلطات التركية لتقييم التقدم المحرز في معالجة تلك المخاوف، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
ما موقف تركيا الرسمي إزاء حذفها من القائمة الرمادية؟
وأعربت الحكومة التركية عن ترحيبها بقرار إزالتها من قائمة الدول المشكوك في نزاهة نظمها المالية، وفيما يلي أبرز ردود الفعل:
أشار جودت يلماز نائب الرئيس التركي إلى أن "هذا التطور سيعزز ثقة المستثمرين الدوليين في الاقتصاد التركي ومكانة البلاد على الساحة الدولية".
قالت وزارة الخزانة والمالية في بيان إن هذه النتيجة ستسهل تحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي من خلال زيادة الثقة بالنظام المالي التركي. وشددت على مواصلة تركيا حربها ضد غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع الالتزام الكامل بالمعايير الدولية.
قال وزير التجارة عمر بولوت أن "إزالة تركيا من القائمة الرمادية يعد من أحد المؤشرات على نجاح السياسات التي قمنا بتنفيذها".
وفي السياق، أعرب محمد داود رئيس ممارسات الصناعة بوكالة "موديز" للتصنيف الائتماني عن توقعه بأن إزالة تركيا من القائمة الرمادية لمكافحة غسل الأموال ستؤثر إيجابا على سمعتها عالميا، وستعزز الاستثمارات الأجنبية والعلاقات مع المؤسسات الدولية كالأوروبية والأميركية.
لماذا كانت تركيا مدرجة بالقائمة؟
تعمل مجموعة فاتف على رصد ومعالجة أوجه القصور في أنظمة الدول المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار الأسلحة. ويعتمد إجراء وضع دولة ما على "القائمة الرمادية" على وجود قصور لديها في مكافحة هذه القضايا.
وفي الإعلان عن إدراج تركيا، أشار رئيس مجموعة العمل المالي ماركوس بليير -حينها- إلى ضرورة وضع تركيا لوائح تنظيمية في القطاعات عالية المخاطر مثل البنوك والذهب والأحجار الكريمة وقطاع العقارات.
وقال بليير "يجب على تركيا مراقبة عمليات غسل الأموال والتحويلات المالية المرتبطة بالجماعات الإرهابية حسب إعلان الأمم المتحدة، مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية". وأضاف "يجب على تركيا أن تظهر أنها تتخذ خطوات جدية لمنع غسل الأموال ومكافحة الإرهاب والشبكات الإجرامية".
من جانبه قال الباحث الاقتصادي بلال بغيش للجزيرة نت إن تركيا قد أتمت بنجاح جميع الخطوات اللازمة للخروج من "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي، موضحا أن وزارات الخزانة والمالية والعدل والداخلية قد عملت بشكل مكثف منذ بدء عملية التقييم المتبادل لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف "تم تنفيذ جميع النقاط المدرجة في التوصيات الـ40 لمجموعة العمل المالي واحدة تلو الأخرى. وشملت هذه الإصلاحات تعديلات في العديد من التشريعات الهامة مثل قانون العقوبات التركي، قانون مكافحة الإرهاب، قانون الإجراءات الجنائية، القانون التجاري التركي، بالإضافة إلى قانون منع غسل عائدات الجريمة وقانون منع تمويل الإرهاب".
كيف خرجت تركيا من القائمة؟
وأشار بغيش إلى أن الإعلان الصادر عن مجموعة العمل المالي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 أشار إلى 7 نقاط تتعلق بتركيا. ولكن بعد الاجتماع العام في يونيو/حزيران 2023، انخفض هذا العدد إلى نقطتين فقط.
وتابع "تم إنشاء مكاتب تحقيق خاصة بعد تحديد المحاكم والنيابات المختصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما تمت إعادة هيكلة وحدة التحقيق بالجرائم المالية واكتمل تحليل المخاطر للأشخاص الاعتباريين، وتم تفعيل وثيقة الإستراتيجية الوطنية لتعزيز فعالية مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب".
ولفت بغيش إلى أن البرلمان التركي أقر تنظيم الأصول المشفرة قبل الاجتماع في سنغافورة، ومنح مجلس أسواق رأس المال سلطات متعددة بشأن هذه الأصول. وأضاف "بهذا تكون تركيا قد استوفت جميع التوصيات المطلوبة من مجموعة العمل المالي، مما يضعها في موقع قوي للخروج من القائمة الرمادية بشكل نهائي واستعادة ثقة المجتمع الدولي في نظامها المالي".
ما أهم النتائج المتوخاة بعد القرار؟
أوضح تقرير لوكالة بلومبيرغ أن هذه الخطوة من المرجح أن تعزز جهود تركيا لجذب رأس المال الأجنبي إلى اقتصادها البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار.
ومن جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان -للجزيرة نت- أن القرار يحمل آثارا إيجابية متعددة على النظام المالي والاقتصاد التركي بشكل عام. وبيّن أن خروج تركيا من هذه القائمة سيعزز الثقة في نظامها المالي، مما سينعكس إيجابيا على العديد من القطاعات المختلفة.
وأضاف أن هذا القرار سيساعد البنوك التركية على تعزيز علاقاتها المالية الدولية ورفع تصنيفاتها الائتمانية، مما يمكنها من الحصول على تمويل بتكلفة أقل وجلب موارد أكبر من الأسواق الدولية. كما أشار إلى أن التأثيرات الإيجابية للقرار ستشمل مجالات متنوعة مثل الطاقة، البناء، البنية التحتية، السياحة، الصناعة، العقارات.
وأكد أن تعزيز الثقة في النظام المالي التركي سيسهم في تحقيق أهداف البرنامج الاقتصادي، مشيرا إلى أن القرار سيساعد على تسريع دخول الموارد الدولية إلى البلاد وتحسين تكاليف الاقتراض.
وفيما يتعلق بتأثير القرار على المواطنين، يرى الباحث الاقتصادي أنه سيكون غير مباشر خلال فترة التحسن الاقتصادي التي قد تشهدها تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!