برهان الدين دوران- جريدة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
لعل الأمر الوحيد الذي يسيطر على سنوات حياتنا المتعاقبة هو الاستمرارية في شتى نواحي الحياة. فأهدافنا وآمالنا وآلامنا تظل مستمرة ومتعايشة معنا سنةً تلو الأخرى. كما أن قدوم عام جديد لا يعني أن من الممكن أن يبدأ كل شيء من جديد... ويا ليت ذلك كان ممكنًا! إلا أن ما يتجدد مع قدوم كل عام جديد هو آمالنا... وإرادتنا... واعتقادنا بضرورة بذل خطوات أكثر جدية لحل مشاكلنا.
وبينما كنا نودع عام 2015 ونستقبل العام الجديد 2016 فإن هناك أمنيةً وحيدة نتمناها لبلدنا الغالية تركيا؛ وهي استعادة قوتها من جديد كدولة محورية قوية في المنطقة. ولعلي أدرك مدى صعوبة هذا الأمر في هذا الوقت الراهن الذي يحصد فيه الأرهاب المسيطر على جنوب شرق تركيا الكثير من أرواح مواطنينا الأبرياء.
إلا أنه وبالنظر إلى الأحداث التي عايشناها العام الماضي والنتائج المترتبة عليها لا يمكننا سوى أن نجزم بالقول إنه لا توجد أمامنا أية خيارت سياسية مشتركة سوى أن تكون تركيا "دولة محورية قوية".
فقد كان عام 2015 بمثابة فترة انتقالية حرجة للحياة السياسية بتركيا، ولعل ما يعنيني هنا ليس الاستقرار السياسي الذي تمخضت عنه انتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر من صعود أسهم حزب العدالة والتنمية بشكل يجعله قادرا علي تشكيل الحكومة منفردًا، بل الأحداث المتوترة التي عايشتها تركيا في الفترة الانتقالية ما بين انتخابات السابع من حزيران/ يونيو والأول من تشرين الثاني، أي فترة البحث عن توازنات سياسية جديدة بتركيا. وهي الفترة التي شهدت معارضة حادة من حزب الشعوب الديمقراطي وأحزاب المعارضة التركية ضد حزب العدالة والتنمية والتي تبنت خطابًا سياسيًا يهدف إلى "استعادة الدولة التركية" من أيدي هذا الحزب الحاكم. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا وصلت الحياة السياسية في عام 2015 بتركيا إلى هذا المفترق السياسي المضطرب؟
والإجابة على هذا السؤال تلزمنا بالرجوع إلى الأحداث التي شهدتها الأعوام السابقة لعام 2015؛ فقد عايش حزب العدالة والتنمية الحاكم في أثناء دعوته في عام 2013 إلى مرحلة جديدة من "التحول" و"إعادة الإصلاح السياسي" في الجمهورية التركية عاصفة عنيفة من الانتقادات السياسية المتلازمة لمظاهرات "حديقة غيزي" المناهضة له؛ والتي جعلته يمر بمرحلة عصيبة في تاريخه السياسي.
كما شهدنا جميعًا، أعني فترات هذة العاصفة السياسية بعد نتائج انتخابات السابع من حزيران/ يونيو البرلمانية والتي تمثلت في فشل تكوين حكومة ائتلافية بتركيا وإعادة تنفيذ حزب العمال الكردستاني للعمليات الإرهابية من جديد داخل تركيا.
هذا وإن كانت نتائج انتخابات الأول من تشرين الثاني قد تمخضت عن فوزحزب العدالة والتنمية وتشكيله منفردًا لحكومة قوية بتركيا، إلا أن هذا لا يعني هدوء هذه العاصفة السياسية التي اشتدت رياحها على الحياة السياسية التركية مع دخول العام الجديد 2016؛ بسبب الحرب الأهلية الدائرة رحاها في كل من سوريا والعراق.
ولعلي هنا لا أعزو اضطراب الحياة السياسية بتركيا في الأعوام الماضية إلى الصراعات السياسية بداخل تركيا فقط لأن العامل الرئيسي المحرك لهذه الاضطرابات والصراعات هو الحرب الداخلية الدائرة في سوريا بكافة أطرافها. ومن ثم فمربط الفرس في هذه المسألة هو مدى قوة "الدور المحوري لتركيا" في المنطقة.
***
ومن المعروف أن من الممكن انتقاد البرنامج والرؤى السياسية للأحزاب الحاكمة في أي مكان. إلا أنه من غير المقبول أن يقوم أي تكوين سياسي معارض بتركيا بفرض رؤية سياسية معينة "رغمًا عن الإرادة السياسية للدولة". ولعل فشل جماعة "فتح الله غولن" والتيارات القومية الكردية بتركيا في هذا الصدد هو خير دليل على صحة كلامنا هذا.
ولقد أنتجت الحرب الأهلية الدائرة بسوريا كوابيس عدة تمثلت في معضلة اللاجئين ومعضلة الأرهاب والصراعات الإقليمية والعالمية التي ظهرت بالمنطقة.
وبينما كانت تركيا تواجه هذة المعضلات المحيطة بها وضعت هذه الفصائل السياسية المعارضة مصلحتها الشخصية أمام المصلحة العامة لتركيا. ولعل هذا ما قام به حرفيا تنظيم "فتح الله غولن" الموازي بكل ماضيه القذر.
وإلى جانب ذلك فقد حاول حزب الشعوب الديمقراطي وتنظيم بي كي كي الإرهابي فرض حلمهم في تأسيس "دولة كردية مستقلة" على المجتمع التركي. إلا أن هذه الفرضية تعمل على إضعاف الأرضية السياسية لوجود تركيا "كدولة محورية قوية" تضم بداخل بنيتها الاجتماعية الفصيل التركي والكردي معًا.
ولقد أفسدت هذة التيارات القومية الكردية بأعمال العنف التي انتهجتها وتيرة المفاوضات الرامية إلى إقرار السلم المجتمعي داخل تركيا. ولم تكتفِ بذلك بل سارعت إلى إبرام شراكات استراتيجية مع بعض القوى الإقليمية كروسيا وإيران بعد أن أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيم بي كي كي إنشاء منطقة مستقلة بسوريا. ومن ثم فقد خانوا بذلك محاولات المصالحة الداخلية التي كانت تهدف إلى تحقيق مطالب الفصيل الكردي بالمجتمع ووجود دولة ديمقرطية قوية.
ولعل محاولات المصالحة التي قادها بشجاعة حزب العدالة والتنمية في ربيع عام 2013 كانت تهدف إلى حل مشكلة أمتدت لعقودٍ طويلة وتصبو في المقام الأول إلى تقوية الدور المحوري لتركيا بالمنطقة. ولا يرتكز هذا الهدف على أية أيدولوجية توسعية لتركيا. بل هو هدف يعبر عن الإرادة السياسية المشتركة لكافة طوائف المجتمع التركي العلمانية والإسلامية، التركية والكردية.
هذة الإرادة اللازمة للمباحثات الرامية إلى إقرار دستور جديد بتركيا وحل المشكلة الكردية...
هذة الإرادة التي نتمنى تقويتها في العام الجديد 2016 في سبيل المصلحة العامة للجميع بداخل تركيا...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس