محمود علوش - الجزيرة
قبيل أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في 14 مايو/أيار المقبل، أعلن تحالف العمل والحرية الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي الكردي دعمه الصريح لمرشح التحالف السداسي للمعارضة كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. ولم يكن هذا الإعلان مفاجئا، لأن الطرفين سبق أن مهّدا له بالفعل في الآونة الأخيرة، إن على مستوى اللقاءات المُعلنة وغير المُعلنة التي جمعتهما، أو على مستوى الخطاب السياسي الودي بين الطرفين. لكنّ حقيقة أن هذا الدعم ظل في الفترة الماضية غير مُعلن لدوافع وحسابات مُختلفة للطرفين، يطرح تساؤلات حول الغاية من الإعلان عنه قبل أيام قليلة من الانتخابات، وتأثيراته المحتملة على "الستاتيكو" الانتخابي خصوصاً في جبهة المعارضة.
في حسابات كل من كليجدار أوغلو وحزب الشعوب، فإن هذا الدعم يُفترض أن يساعد الأول على حسم الانتخابات الرئاسية لصالحه من الجولة الأولى. ومع أن هذا الاحتمال يبدو مستبعدا بشدة، فإن دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو يُعزز موقفه في المنافسة مع أردوغان، لكنّه أيضا لا يخلو من مخاطر قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
هناك 3 تفسيرات لتحول التحالف بين حزب الشعوب وكليجدار أوغلو إلى مُعلن:
أولاً: بالنّظر إلى أن الصفقة التي أبرمها الطرفان بعد لقاء كليجدار أوغلو بالرئيسين المشاركين لحزب الشعوب في مارس/آذار الماضي جاءت بعد الأزمة القصيرة التي عصفت بالتحالف السداسي ودفعت حزب الجيد القومي إلى التلويح بالخروج منه، فإن الغاية وقتها من إبقاء الصفقة غير مُعلنة هي حماية التحالف السداسي من التفكك مُجددا، ولا سيما أن زعيمة الحزب ميرال أكشنار عارضت صراحة أي تحالف بين الحزب الكردي والطاولة السداسية.
ويبدو أن الظروف الراهنة أصبحت مواتية لكليجدار أوغلو وحزب الشعوب للإعلان صراحة عن التحالف؛ لأنّهما يعتقدان أن الطاولة السداسية تجاوزت مرحلة خطر التفكك، كما أصبح حزب الجيد أقل قدرة على مقاومة التحالف الصريح بين الحزب الكردي وكليجدار أوغلو، خصوصا أن معارضة محتملة من جانب ميرال أكشنار لهذا التحالف ستجعل حزبها أكثر عرضة للمخاطر بعد أن فقدت جزءا من قاعدتها التصويتية في أعقاب أزمة المرشح المشترك.
تُشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 5% من الأصوات القومية في حزب الجيد تخلت عنه، بسبب موافقة أكشنار على تبني التحالف السداسي ترشيح كليجدار أوغلو للرئاسة، وصمتها عن الصفقة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي.
ثانياً: يُشير إعلان حزب الشعوب الديمقراطي دعم كليجدار أوغلو إلى أن الطرفين وضعا اللمسات النهائية على التحالف بينهما والتوصل إلى مقاربة مشتركة في المسائل الأساسية، خصوصا فيما يتعلق بالمطالب التي يطرحها الحزب الكردي، على غرار إلغاء كليجدار أوغلو -في حال فوزه بالرئاسة- سياسة الوصي على رؤساء البلديات التي عُزلوا منها خلال السنوات الماضية بسبب ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني المحظور، وقبوله بإعادة طرح المسألة الكردية في البرلمان من أجل التوصل إلى حل لها.
لكنّ المطالب الأكثر أهمية التي يطرحها حزب الشعوب، مثل تحقيق الحكم الذاتي المحلي في المناطق ذات الغالبية الكردية ووقف العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال المحظور وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية، تبقى الأكثر حساسية في الصفقة.
لم يُظهر كليجدار أوغلو صراحة موافقته على مثل هذه المطالب، لأن مثل هذه الموافقة ستؤدي إلى انهيار التحالف السداسي مُجددا وتبديد أي فرصة للمعارضة للفوز في الانتخابات، بيد أن إعلان الحزب الكردي دعم كليجدار أوغلو يُعطي انطباعا بأنه حصل على تعهدات منه بقبول مطالبه الأخرى، أو -على الأقل- الاستعداد لنقاشها بعد الانتخابات إذا خسر أردوغان.
ثالثاً: يسعى حزب الشعوب الديمقراطي من خلال الإعلان عن دعم كليجدار أوغلو إلى توجيه كتلته الانتخابية للتصويت لصالح كليجدار أوغلو، لأن الكتلة الانتخابية للحزب يُعرف عنها أنها لا تُصوت في العادة لمرشحين آخرين غير مرشحي حزب الشعوب، سواء في الانتخابات المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية. وبالتالي، فإن توجيه هذه الكتلة من جانب الحزب في هذه الانتخابات يضمن على الأقل تصويت الجزء الأكبر منها لصالح كليجدار أوغلو.
ومع أن هذه الكتلة تُعارض بشدة الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن تجربة الحالة الكردية مع حزب الشعب الجمهوري عندما كان في الحكم لعقود طويلة لا تبدو مشجعة للناخب الكردي عموماً لدعم خيار كليجدار أوغلو، لكن التوجيه الصريح له من جانب قادة الحزب يساعده في ضمان تصويت أكبر قدر من الناخبين لهذا الخيار.
لا يريد حزب الشعوب الديمقراطي أن يبقى موقفه من الانتخابات الرئاسية في منطقة رمادية، لأن من شأن ذلك أن يُظهر ضعف قدرته في التأثير على قاعدته الانتخابية لتحديد خيارها الرئاسي.
بقدر ما أن هذا الإعلان سيوجه ناخبي حزب الشعوب عموما لصالح كليجدار أوغلو، فإنه سيُكرس في المقابل فقدانه الأصوات الرافضة لهذا التحالف مع الحزب الكردي في التحالف السداسي، وهذه الأصوات كتلة وازنة لا يُمكن الاستهانة بتأثيرها في منافسة انتخابية تتقارب فيها الأرقام بشكل كبير.
ومع أن من الصعب تقدير حجم هذه الكتلة تماما، لكنّ ارتفاع نسب التصويت المحتمل لصالح المرشح الرئاسي الآخر مُحرم إنجه بعد أزمة التحالف السداسي من 1% إلى ما يقرب من 7%، يُساعد في تقدير أن حجم الكتلة التصويتية التي سيخسرها كليجدار أوغلو في التحالف السداسي ستصل إلى 6% على الأقل، وربما تكون أكبر برقمين إضافيين، خصوصا أن بعض الاستطلاعات المستقلة تُقدر أن ما يقرب من 5% من الأصوات القومية في حزب الجيد و3% في الحزب الشعب الجمهوري تخلت عن كليجدار أوغلو بسبب تحالفه مع الحزب الكردي.
يراهن كليجدار أوغلو على أنه سيكسب من هذا الدعم أصواتا أكثر من تلك التي سيخسرها. حسابيا، يبدو ذلك مُمكنا إذا ما نظرنا إلى القاعدة التصويتية المتوقعة لحزب الشعوب الديمقراطي، والتي تتراوح بين 10% و12%. وفق حسابات كليجدار أوغلو، فإنه سيكسب على الأقل 10% من أصوات حزب الشعوب الديمقراطي مقابل خسارة 7% من الأصوات القومية.
مع ذلك، فإن هذا التكتيك الحسابي ينطوي على الكثير من المخاطر، خصوصا إذا لم يُساعد كليجدار أوغلو على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى. إذا لم يُثبت دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو أنه صانع الملوك في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فإن تحالف كليجدار أوغلو قد يؤدي إلى نتيجتين معاكستين على جبهة المعارضة عموما: الأولى أن كليجدار أوغلو سيجد في جولة ثانية محتملة حاجة لإعادة استقطاب الأصوات القومية التي خسرها، لكنّ ذلك سيفرض عليه التعهد بمواصلة نهج قوي في الصراع مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وهو ما سيُثير غضب ناخبي حزب الشعوب.
أما الثانية، فهي أن الأصوات القومية المعارضة لتحالف كليجدار أوغلو مع الحزب الكردي، قد ترد على هذا التحالف بالتصويت لصالح أردوغان في جولة ثانية. ما يُعزز هذا الافتراض أن هذه الكتلة القومية ذهبت لمحرم إنجه لأنه كان خيارا معارضا متبقيا لها للتعبير عن رد فعلها، ومن غير المرجّح أن تُغير قناعاتها في معارضة كليجدار أوغلو في جولة إعادة محتملة يتنافس فيها مع أردوغان.
أفضل السيناريوهات لكليجدار أوغلو أن تقف الأصوات القومية الرافضة له في جبهة المعارضة على الحياد في جولة ثانية، وأكثرها سوءا أن تقرر التصويت لصالح أردوغان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس