ترك برس
تذكر الوثائق التاريخية العثمانية أن السلطان العثماني سليمان القانوني قام عام 1539 بإصدار وثيقة باسم "حماية البيئة" وقام بتعميمها على جميع الولايات والمحافظات العثمانية لتنفيذها بشكل رسمي ومنتظم وأرفقها بوثيقة عقوبات خاصة بمن يخالف ما تحتويه الوثيقة.
يعتقد الكثير أن نظافة البيئة والحرص على منظرها الجميل والحضاري هو إرث خاص بالدول الأوروبية المتحضرة فقط، وربما يكون ذلك نابعًا عن عدم الإطلاع المتعمق على كتب ووثائق ومصادر التاريخ التي تبين عكس ذلك تمامًا.
حيث تبين الكثير من الوثائق والمصادر التاريخية الموجودة في الأرشيف العثماني في القصر العالي في إسطنبول بأن حماية وعناية الدولة العثمانية للأمم والمواطنين الموجودين تحت رعايتها تنوعت ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية و"بيئية" أيضًا، يمكن إيجاد الكثير من الوثائق العثمانية خاصة بجميع أنواع الحماية وقوانينها ومن هذه الوثائق النوعية التي يمكن إيجادها داخل الأرشيف العثماني يمكن إيجاد العديد من الوثائق والقرارات الخاصة بالبيئة وضرورة المحافظة عليها.
وإن لم تكن هذه الوثيقة مماثلة للوثائق حديثة الإصدار إلا أنها بالنسبة لتاريخها وزمانها تُعد من أكثر الوثائق تطورًا ووعيًا في ذلك العهد الذي كانت أوروبا تُعاني من مشاكل ضخمة متعلقة بالبيئة ونظافتها.
ويبين موقع "صفحة التاريخ العثماني" بأنه "لا يوجد في أرشيف أيٍ من الأمم السابقة القديمة والعريقة ما هو متعلق أو مختص بالبيئة ونظافتها في ذلك التاريخ التي صدرت به الوثيقة العثمانية التي تحث على حماية البيئة ونظافتها"، ويؤكد الموقع أن "الدولة العثمانية هي الدولة القديمة الوحيدة التي تنفرد بهذه الميزة".
وتحث الوثيقة، التي يبلغ عمرها أكثر من 470 عام والخاصة بقرارات المحافظة على البيئة وحمايتها على تطبيق التالي:
ـ عدم إلقاء القمامة مهما كان نوعها بشكل تلقائي ووجوب تخصيص أوعية قمامة خاصة لتجميع القمامة وجمعها من قبل المختصين.
ـ إيقاع العقوبة الشديدة بحق من يلقي القمامة بشكل عشوائي وتُترك هوية العقوبة ونوعيتها إلى والي المدينة.
ـ مُتابعة الوالي لمحافظة خدم القصر على نظافة البيئة المحيطة بهم وحرصهم على عدم تصريف مياه الصرف الصحي والقمامة الخاصة بهم في مياه الأنهار والبحيرات أو البحار بل تصريفها في مناطق فارغة يتم تنظيفها بشكل دوري.
ـ وكما يجب على الوالي التدقيق على مرور مياه الصرف الصحي الناتجة عن البيوت والحمامات من طرق خاصة وبعيدة عن المواطنين والأنهر للمحافظة على صحة المواطنين والبيئة.
ـ عدم إنشاء طريق على الخطوط التي تمر منها مياه الصرف الصحي ويجب على الوالي أن يحرص على أن تكون هذه الطرق مفتوحة.
ـ يجب على الوالي عدم السماح بسكب الأدوات الطبية المستخدمة في علاج المرضى في خطوط الصرف الصحي بل يجب تجميعها ودفنها في مناطق فارغة بعيدة لحماية المواطنين والبيئة من أخطارها.
ـ تنظيم الرعي وتخصيص مناطق معينة للرعي وإبعاد الرعاة عن المناطق الخضراء القريبة لسكان المدينة للحفاظ على البيئة المحيطة بالسكان.
ـ إحكام غطاء القبور المفتوحة وجمع الكلاب والقطط الميتة ودفنها في مناطق فارغة حتى يتم المحافظة على نظافة البيئة وإبعاد الروائح الكريهة عن المناطق السكنية.
ـ تخصيص أماكن منعزلة للحيوانات الخاصة بالبيوت والإيعاز لأصحابها بضرورة عدم وضعها في أماكن تزعج الجيران.
ـ تنظيم الشوارع بشكل دوري والحرص على نظافتها حتى لا تؤثر سلبًا على نظافة البيئة والمنظر اللائق بها، ومعاقبة من يقوم بتوسيخ الشوارع بشكل متعمد من خلال إشهار اسمه بين العامة.
وفي نهاية الوثيقة يقوم السلطان سليمان بتوصية أولياء المحافظات العثمانية بضرورة أخذ أقصى دراجات العقوبة تجاه من يجرؤ على مخالفة هذه القرارات والقوانين التي تسعى لإيجاد بيئة نظيفة ومناسبة للحياة البشرية الصحية.
كما يتضح في نهاية الوثيقة بأنه تم إعدادها وإصدارها في صفر عام 946 هجري وفي شهر تموز/ يوليو عام 1539 ميلادي.
وكما قال الكثير من علماء التاريخ والفلسفة؛ أمة الإسلام أمة حضارية منذ اللحظات الاولى لوجودها على سطح الأرض، وكتبنا الدينية والتاريخية مليئة بالأمثلة التي تبين بأن الحضارة الإسلامية كانت في يوم من الأيام أكثر الحضارات عراقة ً وأصالة ً وماأصابها اليوم من انحطاط وتخلف هو ناتج عن البعد عن المبادئ الإنسانية والحضارية التي حثنا الدين الإسلامي على تطبيقها ولكن، بكل أسف، غفلنا عن ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!