ترك برس
يرى الكاتب والباحث الفلسطيني سعيد الحاج، أن تشتت تحالف المعارضة المنافس لحزب العدالة والتنمية في تركيا أدّى لتزايد فرص الأخير في الانتخابات المحلية نهاية الشهر الجاري، وخصوصًا في بلدية إسطنبول الكبرى، "لكن ذلك لا يعني أن فوزه فيها سيكون أكيدًا، فضلًا عن أن يكون مريحًا، إذ ثمة عدة عوامل تعقد الحسابات".
ويقول الحاج في مقال بموقع الجزيرة نت إن البلديات في تركيا - رغم طبيعتها المحلية والخدمية - تحظى بأهمية كبيرة وتتأثر بالحالة السياسية في البلاد بدرجة كبيرة، ويشتعل فيها التنافس الحادّ. ذلك أنها البوابة الأهم للتواصل مع المواطنين والاحتكاك بهم، فضلًا عن أن ميزانيات بعضها يفوق ميزانيات بعض الوزارات.
ووفقا للكاتب، تزداد سخونة الانتخابات البلدية في ظل الاستقطاب السائد في البلاد في السنوات الأخيرة، وفوز المعارضة في الانتخابات السابقة (2019) ببعض البلديات المهمة، وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة، إضافة لترشح رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو لرئاستها مجددًا، وهو الذي يُطرح اسمه كمرشح رئاسي محتمل مستقبلًا.
في خصوصية إسطنبول، وإضافة لرمزية المدينة وكونها البلدية الكبرى في البلاد، ثمة ارتباط بينها وبين المسيرة السياسية للرئيس رجب طيب أردوغان، حيث بدأ منها مشواره السياسي الذي نقله ليحكم البلاد لأكثر من عقدين متواصلين، ما دفع لانتشار شعار: "من يكسب إسطنبول يكسب تركيا"، كما أنه أعلن قبل أيام أن الانتخابات المقبلة هي الأخيرة له دستوريًا، مركّزًا على أهمية استعادة بلدية إسطنبول.
مع تشتت تحالف "الأمة" المعارض بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في مايو/أيار الماضي، إثر خلافات بين حزبيها الرئيسين: الشعب الجمهوري، والجيد، زادت فرص العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة إذ كان تحالف المعارضة أهم أسباب فوزها السابق، لكن الانطباع الذي ساد بأن طريقه ممهدة ومعركته سهلة – ولا سيما في إسطنبول – ليس صحيحًا. بحسب الحاج.
وتابع المقال:
فرص الحزب الحاكم أفضل ولا شك في الانتخابات المقبلة عن سابقتها، بسبب انفضاض التحالف المعارض، والتراشق الحاصل بين أركانه، وتقديم أحزاب المعارضة الأخرى مرشحين سينافسون مرشحي الحزب الحاكم، والحزب المعارض الأكبر (الشعب الجمهوري) على حد سواء.
ولأن حضور العدالة والتنمية وشعبيته في عموم البلاد وكذلك في إسطنبول أكبر من الشعب الجمهوري، فضلًا عن دعم حزب الحركة القومية له، ومرور حزب الشعب الجمهوري بخلافات داخلية ومؤتمر عام عاصف تغير فيه رئيسه مع تبعات لم تهدأ بعد، تبدو فرص العدالة والتنمية أفضل في عموم تركيا.
ورغم ذلك، لا يمكن القول إن فوز العدالة والتنمية حتمي، فضلًا عن أن يكون سهلًا، لا سيما في إسطنبول، ذلك أنه ينبغي النظر في سياقات وعوامل عديدة لها تأثير مباشر وغير مباشر على النتيجة، وخصوصًا في إسطنبول.
الانتخابات في تركيا أبعد ما تكون عن الحسابات المباشرة، إذ تتداخل فيها مؤثرات عديدة سياسية واقتصادية وأيديولوجية، فضلًا عن منظومة التحالفات والشخصيات المرشحة. ويضاف لكل ذلك في حالة الانتخابات المحلية تأثير الجهوية والمناطقية والعشائر والشخصيات المرشحة بشكل أوضح.
ورغم أن السياسة الخارجية ضعيفة التأثير عادة في الانتخابات، وخصوصًا المحلية/البلدية منها، فإن الحرب على غزة ألقت بثقلها النسبي في المعركة الانتخابية الحالية، وحضرت في الحملات والتراشقات بين المرشحين، وخصوصًا في إسطنبول، لا سيما في ظل انطباع عام لدى الكثيرين بأن الحكومة لم تفعل كل ما بوسعها إزاء العدوان، وتحديدًا فيما يرتبط بالعلاقات التجارية مع دولة الاحتلال.
رغم أن استطلاعات الرأي في تركيا أثبتت في عدة استحقاقات أنه لا يمكن الوثوق بها تمامًا، فإن نتائجها تصلح للاستئناس. القاسم المشترك – الصالح للقياس – فيما صدر حتى اللحظة من استطلاعات رأي أن فرص رئيس بلدية أنقرة الحالي (المعارض) منصور يافاش أفضل بكثير من منافسه مرشح العدالة والتنمية تورغوت ألتينوك، وأن المنافسة على بلدية إسطنبول الكبرى بين الرئيس الحالي إمام أوغلو ومرشح العدالة والتنمية مراد كوروم محمومة، وليس ثمة تقدم كبير لأي منهما على الآخر أو الحديث عن ترجيح فوز أحدهما بشكل بارز.
تبدو لنا هذه النتائج منطقية في سياقها العام، أي رجحان كفة يافاش في أنقرة وتقارب الفرص في إسطنبول، رغم ما سبق تفصيله بخصوص التحالفات. إذ ثمة عاملان مهمان ينبغي وضعهما في الحسبان:
الأول: أن انفضاضَ التحالف المعارض، وترشيحَ بعض أحزابه – وغيرها – منافسين لأكرم إمام أوغلو في إسطنبول لن ينعكسا بالضرورة بشكل تام ومباشر على صناديق الاقتراع.
فرغم أن حزب الجيد قدم مرشحه الخاص، فإن مناصريه لا يلتزمون بشكل كامل بتوجهات قيادته، وينظر بعضهم للانتخابات على أنها معركة مع العدالة والتنمية (وليس بالضرورة معركة لفوز مرشحهم)، وبالتالي سيتوجهون لدعم المنافس الأبرز لمرشحه، أي إمام أوغلو.
تعطي استطلاعات الرأي المجراة حتى اللحظة مرشح حزب الجيد وزنًا أقل بكثير من وزن الحزب في الانتخابات الأخيرة، ما يدعم هذه الفرضية بشكل ملموس.
كما أن منافسة حزب ديمقراطية ومساواة الشعوب، الاسم الجديد لحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، قد لا تكون حقيقية، فهو لم يختر شخصية من قيادات الصف الأول، وحملته الانتخابية ليست قوية، كما أنه أبرم اتفاقًا فيما يبدو مع الشعب الجمهوري في أحد أحياء إسطنبول، ما يرجح فكرة أن الترشح لبلدية إسطنبول الكبرى قد يكون صوريًا، ويمكن للحزب توجيه ناخبيه لدعم إمام أوغلو، حيث يملك نفوذًا ملموسًا عليهم، كما تبقى فكرة الانسحاب (عمليًا وليس رسميًا) والدعوة العلنية للتصويت لإمام أوغلو احتمالًا قائمًا، وإن كان غير مرجح.
في المقابل، يشكل مرشحو الأحزاب المحافظة ضعيفة الحضور و/أو حديثة التأسيس تحديًا أمام مرشح العدالة والتنمية. ذلك أن أحزابًا مثل السعادة والرفاه مجددًا قادرة على السحب من رصيد الحزب واستمالة جزء من خزانه الانتخابي كما حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
لا سيما مع سقف هذه الأحزاب الأعلى من سقف الحزب الحاكم فيما يتعلق بالعدوان على غزة وانتقاداتها المباشرة له وللحكومة، إضافة للأوضاع الاقتصادية في العموم. وغني عن الذكر أن المنافسة الشديدة والفرص المتقاربة تجعل كل صوت مهمًا في الاستحقاق المقبل، ما قد يجعل للحضور الضعيف لهذه الأحزاب تأثيرًا قويًا.
والصورة كذلك، ومع الحملات الانتخابية التي لم تظهر حتى كتابة هذه السطور أداءً متميزًا لإمام أوغلو أو كوروم، تبقى المنافسة محمومة والحظوظ متقاربة إلى حد كبير. ما يجعل لما تبقى من وقت الحملات الانتخابية أهمية بارزة في استمالة الشارع واستقطاب الأصوات المترددة القادرة على حسم النتيجة، وخصوصًا إذا ما صدر عن أي من المتنافسين خطأ كبير أو تصريح غير موفق أزعج شريحة ما من الناخبين، ما يعني أن أي خطأ كبير في الأيام المتبقية من الحملة الانتخابية قد يكون الأخير والحاسم.
وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأن الحملات الانتخابية في العادة تخدم مرشح العدالة والتنمية أكثر من منافسيه، وخصوصًا لدى مشاركة أردوغان نفسه بشكل مباشر في الحملة الانتخابية. إلا أن المرشح المنافس – إمام أوغلو – هو الرئيس الحالي للبلدية، ما يمنحه منبرًا قويًا وأفضلية في الحملة الانتخابية، تقلل من استفادة العدالة والتنمية.
لكن ذلك لا يلغي عامل أردوغان في الانتخابات، حيث نشط مؤخرًا في حضور يومي على هامش فعاليات الإفطار في رمضان. وكان تصريحه بأنها "آخر انتخابات" له لافتًا، إذ هو من نوع التصريحات العاطفية المؤثرة في أنصاره، كما أنه يسعى للتأثير على فئة المتحفظين أو المعارضين من أنصاره السابقين، فضلًا عن محاولة طمأنة شريحة المترددين بأنه غير باقٍ في السلطة.
في الخلاصة، فالانتخابات المحلية المقبلة ولا سيما في إسطنبول أبعد ما تكون عن معركة محسومة نتيجتها سلفًا رغم منظومة التحالفات القائمة والمختلفة تمامًا عن الانتخابات السابقة، وستكون المنافسة شرسة في إسطنبول، أمّ المعارك في الاستحقاق الانتخابي المقبل ومعيار الفوز والخسارة بالنسبة للكثيرين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!