ترك برس 

أكد الكاتب والأكاديمي التركي أحمد أويصال على إمكانية تحويل سوريا إلى نموذج للتعاون الإقليمي والدولي، يسهم في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، بدلًا من أن تكون  ساحة للصراعات الدولية.

وقال أويصال في مقال بصحيفة الشرق القطرية إن "إعادة إعمار سوريا تتطلب دعمًا ماليًا وتقنيًا كبيرًا. وينبغي على الدول العربية والإسلامية، خصوصًا تركيا وقطر، تقديم الدعم اللازم لتجاوز هذه المرحلة الحرجة". 

وأضاف: "في المقابل، على الدول الغربية تحمل مسؤولياتها التاريخية، وتقديم مساعدات مالية تعويضًا عن فشلها في حماية الشعب السوري خلال سنوات الصراع''.

وفيما يلي نص المقال:

ثار الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد في عام 2011 احتجاجًا على القمع والإبادة الجماعية التي انتهجها النظام ضد المواطنين. مع تصاعد العنف ضد المظاهرات السلمية، لجأت المعارضة إلى حمل السلاح للدفاع عن مطالبها. رغم محدودية التسليح، اقتربت المعارضة من الإطاحة بالنظام، إلا أن تدخل ميليشيا حزب الله اللبناني، ومن ثم إيران وداعش وروسيا، ساعد في قمعها والحفاظ على بقاء النظام.

في محاولة لحماية الشعب السوري وتقليل الخسائر، أطلقت تركيا بالتعاون مع روسيا وإيران عملية أستانا، التي هدفت إلى وقف القصف الروسي واستخدام البراميل المتفجرة، فضلاً عن منع إنشاء شريط حدودي في شمال سوريا تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره تركيا تهديدًا لأمنها القومي.

ركزت تركيا جهودها في تلك الفترة على تحقيق الاستقرار في شمال سوريا، حيث دعمت إدارات محلية وتعاونت مع المعارضة في إدلب. لكن النظام وروسيا استمرا في اعتبار المعارضة المسلحة في إدلب جماعات إرهابية، مما أدى إلى قصف مستمر وحصار خانق على ملايين المدنيين، في انتهاك صارخ لاتفاق أستانا. تركيا، بدورها، عارضت هذه الانتهاكات بشدة، وواصلت تقديم الدعم المالي والدبلوماسي للمعارضة في الشمال السوري.

مع تزايد الأزمات الدولية مثل وباء كوفيد-19، الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع في غزة، تغيّر المشهد الإقليمي والدولي. دفعت الحرب الروسية الأوكرانية موسكو إلى تقليص وجودها العسكري في سوريا للتركيز على أولويات أخرى. في الوقت نفسه، انخرطت إيران في صراع متصاعد مع إسرائيل من خلال وكلائها الإقليميين، مما أدى إلى تراجع نفوذها في سوريا.

في ظل هذه التحولات، أطلقت المعارضة المسلحة، بالتشاور والتعاون مع تركيا، عملية لتحرير حلب. تمكنت المعارضة من السيطرة على المدينة بسرعة، حيث أصبح النظام عاجزًا عن الدفاع دون الدعم العسكري الروسي والإيراني. بعد تحرير حلب، تقدمت المعارضة نحو مدن رئيسية مثل حماة وحمص، ثم وصلت إلى أطراف دمشق.

لتجنب مزيد من القتال وإراقة الدماء، توسطت تركيا وقطر في منتدى الدوحة، حيث توصلت الأطراف إلى اتفاق استسلام سلمي للعاصمة. يُعزى هذا الانتصار إلى صمود الشعب السوري ودعم الحلفاء، وخاصة تركيا وقطر، مما مهد الطريق لتغيير شامل في المشهد السوري.

بعد هذا الانتصار، أعلنت المعارضة عن تشكيل حكومة مؤقتة، بقيادة شخصيات بارزة من إدلب. ومع ذلك، انهارت عمليتا أستانا وجنيف، مما دفع السوريين إلى العمل على حل أزمتهم بأنفسهم، بعيدًا عن المنابر الدولية التي فشلت في تقديم حلول فعالة.

لتعويض الشعب السوري عن الإحباطات التي واجهها، يجب على الدول الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تقديم اعتذار صريح ودعم حقيقي لمساعدة البلاد على تجاوز أزمتها. تُعد أولويات المرحلة القادمة ضمان الأمن والاستقرار، إعادة الإعمار، محاكمة المسؤولين عن الجرائم، وإطلاق عملية تحول ديمقراطي تعيد الأمل للشعب السوري.

لتجنب الفوضى التي شهدها العراق عام 2003، يجب الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية ومنع انهيارها، مع تأمين سلامة الحياة اليومية واحتواء الصراعات بين الجماعات المتنافسة. إعادة بناء القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والخدمات البلدية تُعد أساسية لإنعاش الاقتصاد واستعادة الاستقرار.

تحتاج البنية التحتية، التي دمرتها الحرب والقصف، إلى استثمارات ضخمة لإصلاح المستشفيات، المدارس، والطرق. إلى جانب التكاليف المادية، تتطلب الأضرار الاجتماعية والنفسية التي خلفتها الحرب اهتمامًا خاصًا. توفير الدعم النفسي للمتضررين، بما في ذلك الأرامل، الأيتام، وذوي الإعاقة، يشكل أولوية في جهود التعافي.

تحقيق وحدة سوريا يمثل تحديًا كبيرًا، خاصة مع محاولات الولايات المتحدة إنشاء كيان مستقل تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني في شرق الفرات. على الرغم من تصريحات الرئيس الأمريكي السابق ترامب حول سحب القوات الأمريكية، قاوم البنتاغون هذه الفكرة، مما يعكس تعقيد الموقف في المنطقة.

على الصعيد الإقليمي، يمثل التدخل الإسرائيلي تحديًا إضافيًا، حيث تستهدف إسرائيل المنشآت العسكرية والأسلحة داخل سوريا، مما يزيد من تعقيد الأوضاع. علاوة على ذلك، يسعى حزب العمال الكردستاني إلى إثارة الأقليات داخل سوريا، مما يهدد الاستقرار طويل الأمد.

إعادة إعمار سوريا تتطلب دعمًا ماليًا وتقنيًا كبيرًا. ينبغي على الدول العربية والإسلامية، خصوصًا تركيا وقطر، تقديم الدعم اللازم لتجاوز هذه المرحلة الحرجة. في المقابل، على الدول الغربية تحمل مسؤولياتها التاريخية، وتقديم مساعدات مالية تعويضًا عن فشلها في حماية الشعب السوري خلال سنوات الصراع.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!