ترك برس

تطرق مقال تحليلي للكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، أبعاد تعزيز تركيا لقدراتها العسكرية وتطوير دفاعاتها الهجومية، بما في ذلك صواريخها الباليستية، والتعاون العسكري المتزايد بينها وبين سوريا، فضلا عن التصعيد في التصريحات التركية ضد إسرائيل.

ورأت الكاتبة في مقالها بموقع الجزيرة مباشر أن التصريحات التركية تشير إلى وجود استعدادات لمواجهة محتملة مع إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن حالة التوتر في المنطقة قد تؤدي إلى اشتباك عسكري بين تركيا وإسرائيل في المستقبل القريب.

وقالت علام إن التحركات الإسرائيلية الداعمة للمطالب الانفصالية للأقليات السورية، والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد الأراضي السورية تنظر إليها أنقرة بريبة وشك، وتضعها في موقف الاستعداد لمواجهة تطورات الأمر بالسبل الممكنة كافة.

وفيما يلي نص المقال:

في تصعيد جديد ضد حكومة نتنياهو، صرّح الرئيس أردوغان بأن: “هناك قوى -لم يسمها- تحاول زعزعة الأمن والاستقرار داخل سوريا انطلاقا من إثارة النعرات الدينية والعرقية”، مؤكدا أن بلاده “لن تسمح بتقسيم المنطقة أو إعادة رسم حدوها بأطماع توسعية كما فعلوا قبل قرن من الزمان”، وأنهم سيجدون تركيا في مواجهتهم هذه المرة.

تصريحات أردوغان الجديدة جاءت ردا على الغارات الإسرائيلية التي استهدفت محيط مدينة درعا، ومنطقة خان أرنبة في الجنوب السوري بالتزامن مع عودة العمليات العسكرية لجيش الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة.

الموقف التركي من التحركات الإسرائيلية في المنطقة، التي تتم بدعم مطلق من الإدارة الأمريكية يبرز بقوة حجم المخاوف التركية من الأطماع التوسعية لدولة الاحتلال الصهيوني، والرغبة الجامحة لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تحقيق حلم نبوءة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.

إذ سبق وأن حذر أردوغان من رغبة حكومة نتنياهو التي تقودها عقلية دينية متعصبة في التوسع جغرافيا على حساب الخريطة التاريخية لبلاده، والاستيلاء على مناطق الأناضول، تحقيقا لوهم الأرض الموعودة، والعمل على إقامة كيانات تابعة لها في كل من شمال العراق وسوريا عبر استغلال علاقاتها بالتنظيمات الانفصالية، في إشارة لعدد من الأقليات السورية الطامحة في الحكم الذاتي، ولقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي لديها علاقات ممتدة بتل أبيب.

وكانت العديد من التقارير المتداولة إعلاميا قد أفادت أن توقيع قادة قوات سوريا الديمقراطية على اتفاق الاندماج داخل الإدارة الجديدة مع دمشق لم يقف حائلا دون استمرارهم في السعي لتأمين دعم إسرائيلي لهم في هذه المرحلة الحساسة بالنسبة لهم، التي يحتاجون فيها -وفق رؤيتهم للتطورات بالمنطقة- لتوفير حلفاء وضامنين جدد لديهم القدرة على حمايتهم والوقوف إلى جوارهم.

وهو ما وافق هوى إسرائيل التي لا تنظر بارتياح لهذا الاتفاق، وترى أن تراجع الأكراد للخلف سيفسح المجال أمام عودة (داعش)، مما يضعها في موقف دفاعي صعب، إلى جانب شكوكها القوية وعدم ثقتها في الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، الذي تمتد جذور انتماءاته إلى تنظيم القاعدة والجماعات الإسلامية الجهادية، مما قد يعرض أمنها للخطر، ويهدد وجودها.

ترى إسرائيل أيضا أن الجيش السوري الجديد الذي أُعيد بناء عناصره وتدريبهم بإشراف كامل من قيادات القوات المسلحة التركية، وتم تزويده بترسانة من الأسلحة المحلية المنتجة داخل هيئة الصناعات الدفاعية التركية أصبح يمثل خطرا من نوع آخر عليها، في ظل اتساع حجم النفوذ التركي داخل سوريا.

الذي يأتي متزامنا مع زيادة حدة التوترات وتفاقم خلافاتها مع أنقرة، على خلفية حربها ضد كل من قطاع غزة ولبنان، واختلاف أجندة كل منهما فيما يخص مستقبل الدولة السورية، إذ تعتقد إسرائيل أن تقسيم سوريا، وخلق كيانات متعددة بها من شأنه أن يضمن لها أمنها، ويمنحها الفرصة كاملة لتحقيق رغبتها في توسيع مساحتها.

ومن هذا المنطلق تدعم مطالب الحكم الذاتي لكل من الأكراد، والدروز، والعلويين، وتبذل جهودا مضاعفة حاليا من أجل دعم الطائفة الدرزية، حيث تم مؤخرا إرسال 10 آلاف طرد من المساعدات الإنسانية لأفرادها، وصرح جدعون ساعر وزير خارجية الكيان الإسرائيلي أن علاقاتهم بالدروز تاريخية، وأن عليهم الوقوف إلى جانبهم، لأنه “في منطقة نكون فيها أقلية، فمن الصواب دعم الأقليات الأخرى”.

أما وزير الدفاع يسرائيل كاتس فصرّح أن حكومته قررت السماح للدروز من الجانب الآخر من الخط الفاصل بدخول هضبة الجولان والعمل بها، معربا عن استعدادهم للدفاع عنهم والوقوف إلى جوارهم دائما، بينما أعلن مسؤولون إسرائيليون أنهم لن يقبلوا وجود أي عسكري سوري في المناطق الجنوبية للعاصمة دمشق، وأنهم على أتم استعداد لغزو ضواحيها دفاعا عن الأقلية الدرزية المنقسمة بين إسرائيل وسوريا.

إلى جانب التصدي لمحاولات تركيا وأردوغان الرامية إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، واستعادة سيطرة بلاده على خريطة المنطقة كما كان عليه الحال في عهد الدولة العثمانية، وفي تقديم نفسها الوجود كقوة إقليمية فاعلة ذات نفوذ، لديها القدرة على التحكم في مستقبل المنطقة وفرض سيطرتها على مقدرات شعوبها، وهو ما يطلق عليه نتنياهو اسم “الشرق الأوسط الجديد”.

التحركات الإسرائيلية الداعمة للمطالب الانفصالية للأقليات السورية، والعمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي ضد الأراضي السورية تنظر إليها أنقرة بريبة وشك، وتضعها في موقف الاستعداد لمواجهة تطورات الأمر بالسبل الممكنة كافة، حتى وإن تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية المباشرة.

لما تمثله هذه التحركات من تهديد مباشر لأمنها القومي، ومحاولة من جانب الكيان المحتل لتقويض مكانتها الإقليمية، وزعزعة استقرارها، والنيل من وحدة أراضيها عبر تشجيع الدعوات الانفصالية، ومساندة ودعم العناصر المسلحة التي تنتمي للتنظيمات الإرهابية لتخريب السلم الاجتماعي بالمنطقة.

وخلافا للرؤية الإسرائيلية التي تشجع على تقسيم سوريا وتعمل عليها، ترى تركيا أن وحدة الأراضي السورية، وإقامة دولة مركزية قوية ومستقرة بها من شأنه ضمان إخراج التنظيمات الانفصالية المسلحة، وإبعادهم تماما عن مناطق تمركزهم، والتخلص من تهديداتهم، بما يفسح المجال أمام الحفاظ على استقرار المنطقة، وإشاعة السلام بين شعوبها وتحقيق أمن دولها القومي.

ولتحقيق هذه الأهداف مجتمعة سعت أنقرة إلى زيادة حجم تعاونها العسكري مع دمشق عبر الاستعداد للتوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، كما تم تعيين ملحق عسكري في السفارة التركية بدمشق، بينما قام مؤخرا وفد يضم كلًا من وزيري الخارجية والدفاع، ورئيس الاستخبارات بلقاء المسؤولين السوريين في دمشق، حيث تم تأكيد تمسك أنقرة بتسليم العناصر المسلحة لأسلحتها، وإخراج المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، إلى جانب التباحث حول العديد من القضايا الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، التي من بينها بحث إقامة قاعدتين عسكريتين لتركيا في كل من دمشق وحمص، واستمرار عمليات تدريب الجيش السوري وتسليحه.

وهي التحركات العسكرية التي تراها إسرائيل تمثل تهديدا لها سواء على صعيد الجيش السوري الذي قد يصبح وكيلا لتركيا في حرب مباشرة ضدها، أو على صعيد تركيا نفسها التي يتزايد وجودها العسكري على الأراضي السورية، ودعمها المطلق لحكومة الشرع المؤقتة، وتزايد تهديداتها والتصعيد المستمر في خطابها العدائي ضد إسرائيل سواء من الرئيس أردوغان أو كل من وزيري خارجيته ودفاعه.

ما يبدو أنه شجع الشرع على التخلي عن أسلوبه الذي اتسم باللين تجاه إسرائيل منذ وصوله إلى دمشق، ليستخدم أسلوبا أشد حدة في الخطاب الذي ألقاه مؤخرا في الاجتماع الطارئ للجامعة العربية بالقاهرة، حينما قال: “إن توسع العدوان الإسرائيلي ليس انتهاكا للسيادة السورية فحسب، بل هو تهديد مباشر للأمن والسلام في المنطقة بأسرها”.

تعزيز تركيا لقدراتها العسكرية وتطوير دفاعاتها الهجومية وصواريخها الباليستية، وتعاونها المطلق مع سوريا في المجال العسكري تحديدا، وتصعيد تصريحات مسؤوليها ضد تل أبيب ينبئ بأن هناك استعدادات تجري انتظارا لما ستسفر عنه المرحلة المقبلة التي قد تشهد اشتباكا مسلحا بينها وبين إسرائيل، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق غير مباشر.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!