ترك برس - الجزيرة نت
في سباق ترقبه العالم، وخصوصا العربي، خلصت انتخابات تركيا العامة إلى تصدر حزب العدالة والتنمية الحاكم نتائج الانتخابات البرلمانية، فيما انتهت على الصعيد الرئاسي إلى الذهاب لجولة إعادة بعد تقدّم الرئيس رجب طيب أردوغان بنسبة 49.51% مقابل 44.88% لمنافسه كمال كليجدار أوغلو.
وحصل تحالف "الجمهور" الذي يضم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية وأحزابا أخرى بقيادة أردوغان على 49.46% في الانتخابات البرلمانية، مما يضمن له أغلبية بـ321 مقعدا من أصل 600 مقعد في البرلمان.
وبالمقابل، حصل تحالف "الشعب" الذي يضم حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد القومي وأحزابا أخرى بزعامة كليجدار أوغلو على 35.14% بواقع 213 مقعدا.
كما حل في المرتبة الثالثة تحالف "العمل والحرية" بـ10.53% وحصل على 66 مقعدا.
وإن بات الأمر محسوما على صعيد الانتخابات البرلمانية، فإن الانتخابات الرئاسية ستشهد الجولة الثانية بين أردوغان وكليجدار أوغلو بعد إقصاء المرشح الثالث سنان أوغان الذي حصد 5.17% من الأصوات في نتيجة غير متوقعة ومخالفة لاستطلاعات الرأي التي أعطته حوالي 2% من الأصوات فقط.
وبالتالي، فإن الكتلة التصويتية لأوغان ستكون من العوامل المؤثرة في نتيجة الجولة الثانية التي ستقام يوم 28 مايو/أيار الجاري.
صانع الملوك!
اعتبر الباحث والمستشار في الشأن التركي محمود علوش، أن دور أوغان سيكون مهما في الجولة الثانية، غير أنه استبعد أن يكون "صانع الملوك" في الانتخابات الرئاسية التركية.
وعلّل علوش رأيه بأن الأصوات التي حصل عليها أوغان لا تعبّر عن كتلة قاعدته الصلبة الانتخابية المقدّرة بحوال 2% وأن الـ3% الإضافية التي حصل عليها كانت من الأصوات القومية في التحالف السداسي ممن تعارض تحالف كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
وبحسب علوش، الذي تحدث للجزيرة نت، فإن السلوك التصويتي للـ3% لن يكون بالضرورة متوافقا مع أوغان إن قرر دعم كليجدار أوغلو، ناهيك عن اشتراطه على كليجدار أوغلو إنهاء العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من أجل دعمه في الانتخابات الرئاسية.
أيديولوجية قومية
من ناحية أخرى، يرى الكاتب والمحلل السياسي علي أسمر أن أصوات أوغان ستكون فاصلة في الجولة الثانية، ولكنه اتفق مع علوش في أنه من الصعب أن يجلس أوغان صاحب التوجه القومي على طاولة يدعمها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP).
لكن أسمر أشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن سياسة أوغان، ومن خلفه تحالف الأجداد القومي الذي يضم حزب النصر برئاسة أوميت أوزداغ، لا تتفق مع حزب العدالة والتنمية بخصوص ملف اللاجئين.
وحسب المتحدث، يختلف تحالف الأجداد مع التحالف الحاكم في العديد من الملفات ومنها الاقتصاد، ولكن يبقى ملف اللاجئين عموما والسوريين خصوصا العقبة الكبرى حيث يصر تحالف الأجداد على إعادة اللاجئين قسرا وليس طواعية.
وبطبيعة الحال، يؤكد أسمر أن على كل من أردوغان وكليجدار أوغلو أن يقدّما تنازلات إذا أرادا الحصول على دعم أوغان.
وعلق علوش على أن تنازل كليجدار أوغلو عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي يُعتبر مشكلة تحولُ دون تحقيق ذلك. مضيفا "لا يستطيع كليجدار أوغلو أن يتخلى عن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي جلب له تقريبا 10% من الأصوات من أجل الحصول في المقابل على 5% من أصوات أوغان في جولة الإعادة، لذلك المعادلة تبدو صعبة للغاية".
وبوصف الباحث السياسي فإن "النتيجة السيئة التي حصل عليها كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية سببها الأساسي يتمثل في تداعيات التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي على الكتلة التصويتية القومية في جبهة المعارضة".
معضلة حزب الشعوب الديمقراطي
أما الكاتب علي أسمر، فيرى أن الكتلة التي تدعم أوغان هي أصوات "قومية بحتة ومتشددة" لذلك سيكون من الصعب توجيهها للتصويت سواء إلى كليجدار أوغلو أو أردوغان.
وعلل أسمر ذلك بأن الهدف الرئيس لإنشاء "تحالف الأجداد" هو طرد اللاجئين من تركيا، وعلى صعيد آخر فإن كوادر التحالف سواء أوغان أو أوزداغ لا يحبّذان حزب الشعوب الديمقراطي لاعتقادهما أنه "امتداد سياسي لحزب العمال الكردستاني الإرهابي".
ويتفق علوش مع أسمر في أن الأيديولوجية القومية عامل مهم في السلوك التصويتي لهذه الفئة، بالإضافة إلى الموقف السياسي من أردوغان وأداء الحكومة في الاقتصاد.
وأوضح علوش أن هذه الكتلة ستنظر في الجولة الثانية إلى خطر أن يفوز رئيس مدعوم من حزب الشعوب، وعلى الصعيد الآخر، حقيقة أن تأثير حزب "هدى بار" الكردي في تحالف أردوغان أقل بكثير من حزب الشعوب الديمقراطي نظرا لكون الأخير امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف "جماعة إرهابية" من قبل أنقرة.
معادلة لن تتغير
وانطلاقا من هذه الحالة، يقول الخبير السياسي، فإن "الحالة الكردية والحالة القومية عموما تخدم الرئيس رجب طيب أردوغان في جولة الإعادة بقدر أكبر مما تخدم مرشح المعارضة كليجدار أوغلو".
وأكد علوش أن المعضلة القائمة لكتلة أوغان ربما تؤدي إلى لجوء هذه الكتلة أو بعضها إلى الحياد والامتناع عن التصويت لأي من المرشحين في الجولة الثانية.
وفي حالة الحياد، يبقى أردوغان متفوقا على كليجدار أوغلو بـ4%، ويضيف المحلل أنه من غير المرجح أن تتقلص هذه الكتلة أو هذا الفارق التصويتي بين الطرفين.
وحتى لو حدث تحوّل في الكتلة التصويتية لسنان أوغان ودعمها للمعارضة، استبعد علوش أن يؤدي ذلك إلى تغيير المعادلة في سباق الانتخابات الرئاسية، مضيفا أن احتمالية توجه الناخب القومي لأردوغان ستكون أعلى من توجهه لكليجدار أوغلو.
وعلى الرغم من كون الفترة المقبلة حتى الجولة الثانية متعِبة لتركيا من حيث الاستقطاب السياسي حسب تعبير علوش، "لكنها لن تغير من الحقيقة السياسية التي استفاقت عليها تركيا اليوم، وهي أن المعارضة مُنيت بهزيمة مدوية وتاريخية وأن الرئيس أردوغان استطاع أن يحقق تقريبا 90% من النصر الكبير المدوي والصادم حقيقة في تركيا".
وعلل ذلك بأنه "رغم الظروف التي خاض فيها أردوغان الانتخابات من تداعيات الزلزال إلى مستوى التضخم (تقريبا 45%) إلى مواجهة معارضة استطاعت أن تجمع معظم الأحزاب على اختلاف توجهاتها الأيديولوجية، استطاع أن يحقق انتصارا كبيرا في الانتخابات البرلمانية، وأن يتفوق على كمال كليجدار أوغلو في الجولة الرئاسية الأولى تقريبا، وهذا بالتأكيد نتيجة مذهلة بالنسبة لأردوغان".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!