
ترك برس
رأى الكاتب والخبير التركي إسماعيل ياشا، أن تصريحات رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لجمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد"، عمر آراس، أعادت إلى الأذهان الدور الذي كانت الجمعية تلعبه في تركيا القديمة، حين كانت الأقلية العلمانية المتطرفة تفرض وصايتها على الإرادة الشعبية عن طريق سلاح العسكر.
وقال ياشا في مقال بصحيفة "عربي21" إن تصريحات آراس ذكرت بالبيانات التي يصدرها رجال الأعمال للتعبير عن انزعاجهم من السياسات التي تلبي مطالب عموم الشعب المسلم المتدين.
وذكر أن آراس ادَّعى في كلمته التي ألقاها الخميس الماضي أمام أعضاء الجمعية أن البلاد تعاني من انهيار المعنويات وفقدان الثقة، وذكر كوارث شهدتها تركيا، وعزا أسبابها إلى فساد النظام، ودعا إلى إقالة المقصرين والمهملين وتعيين أشخاص مؤهلين من أصحاب الكفاءات.
كما انتقد آراس تعيين أوصياء على بعض البلديات بعد إبعاد رؤسائها عن مناصبهم بتهمة دعم الإرهاب، وطرد خمسة ضباط من الجيش على خلفية تنظيمهم حفل أداء يمين موازٍ غير قانوني على هامش حفل تخرج طلاب الأكاديميات العسكرية، واعتقال مديرة أعمال كثير من الممثلين وصاحبة شركة إنتاج الأفلام، عائشة باريم، بتهمة المشاركة في محاولة الإطاحة بالحكومة المنتخبة.
وتابع ياشا المقال:
انتقاد سياسات الحكومة والتعبير عن الرأي حق أصيل في الأنظمة الديمقراطية، ومن الممكن أن يبدي رجال الأعمال أراءهم كبقية المواطنين، ولكن يحق للآخرين أيضا أن ينتقدوا رجال الأعمال ودورهم في دعم محاولات الانقلاب واستغلال ثروات البلاد لصالح الشركات الكبرى على حساب الوطن والمواطنين.
معنويات رئيس المجلس الاستشاري لتوسياد وأصدقائه قد تكون منهارة، إلا أن الحكومة ما زالت تتمتع بتأييد أغلبية كافية لاستمرارها، كما تؤكد نتائج استطلاعات الرأي. ومن المعلوم أيضا أن توسياد لم تكن يوما من الأيام وطنية، ولا تمثل الشعب التركي، بل هي جمعية تراعي مصالح عدد من رجال الأعمال معظمهم مجرد ممثلين لشركات أجنبية كبرى.
هناك مشاكل اقتصادية في تركيا، إلا أن تلك المشاكل، مثل التضخم، يعاني منها أصحاب الدخل المحدود من المواطنين. وفي المقابل، تضخمت مكاسب أعضاء توسياد وأرباحهم أضعافا مضاعفة في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يؤكد أن استياء هؤلاء سياسي بامتياز. ويبدو أن أعضاء الجمعية يحنُّون لتركيا القديمة التي كانوا يرون فيها أنفسهم فوق الإرادة الشعبية، ويشاركون في تشكيل الحكومات ويسقطونها بمجرد إصدار البيانات، كما فعلوا بحكومة بولند أجاويد عام 1971.
آراس كان انتقائيا في اختيار الكوارث التي ذكرها في كلمته، ولم يذكر أي كارثة تتحمل مسؤولية وقوعها بلديات يديرها حزب الشعب الجمهوري المعارض. وأما رفضه لتعيين أوصياء على بلديات بناءً على القرارات القضائية، فكان عليه أن يرفض أولا تسخير أموال البلديات وإمكانياتها لخدمة المنظمة الإرهابية الانفصالية، وأن يعلم أن انتخاب شخص رئيسا لبلدية لا يمنحه حصانة تحميه حتى لو تورط في دعم الإرهاب. وأما انتقاده لطرد ضباط قاموا بما يشبه تمردا على قادتهم فليس بموقف مبدئي على الإطلاق، لأن الجيش التركي سبق أن طرد عشرات الضباط من صفوفه بتهمة الرجعية لمجرد أنهم يصلّون ولا يشربون الخمر أو أن زوجاتهم محجبات، ومع ذلك لم ينبس أعضاء توسياد ببنت شفة.
استياء توسياد من وضع تركيا مرتبط بالتطورات التي تشهدها البلاد، سواء ما يتعلق بمكافحة الإرهاب والاستعداد لطي صفحة الصراع مع حزب العمال الكردستاني، أو ما يتعلق بمرشح حزب الشعب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة. ومن المعلوم أن معظم أعضاء توسياد موالون لحزب الشعب الجمهوري، كما أن أرستقراطية إسطنبول تدعم رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بقوة، في سعيه للتربع على كرسي رئيس الجمهورية.
تركيا تترقب إعلان رئيس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان عن حل المنظمة الإرهابية الانفصالية في الأيام القادمة. ومن المؤكد أن القضاء على خطر الإرهاب، سواء المتبقي في الداخل أو ذاك الذي يأتي من الأراضي العراقية والسورية، سيسجل لصالح الحكومة التركية لا المعارضة، وسيلقي بظلالها على الساحة السياسية ليربك حسابات المستثمرين في إمام أوغلو.
هناك أزمة داخلية تعصف بحزب الشعب الجمهوري وتهدده بالانقسام، وهي أزمة تحديد مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية. ويسعى إمام أوغلو ليضمن ترشيحه لرئاسة الجمهورية إلا أن رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، هو الآخر يطمح في خوض السباق الرئاسي كمرشح المعارضة. ويعود سبب استعجال إمام أوغلو في إعلان اسمه كمرشح حزب الشعب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستجرى بعد ثلاث سنوات إن لم يتم تقديم موعدها، إلى خوفه من المحاكمة في الدعاوى القضائية المرفوعة ضده واحتمال معاقبته بالسجن. وإضافة إلى ذلك، قد تتم محاكمته أيضا بتهمة التلاعب وشراء الأصوات في مؤتمر حزب الشعب الجمهوري ليفوز أوزغور أوزل برئاسة الحزب. كما أن إمام أوغلو لم ينجح حتى الآن في إزالة الشبهات حول دراسته الجامعية، علما بأنه لن يستطيع الترشح لرئاسة الجمهورية إن ثبت أنه حصل على شهادته الجامعية بشكل غير قانوني.
الادعاء العام في إسطنبول فتح تحقيقا في حق رئيس المجلس الاستشاري الأعلى لتوسياد على خلفية تصريحاته، فيما قالت الجمعية في بيان إن ما ورد في الكلمة من انتقادات يجب اعتبارها ضمن الثقافة الديمقراطية الغنية. ومن المتوقع أن لا يتم اعتقال آراس بسبب تلك التصريحات، ويجب أن لا يتم، إلا أن رجال الأعمال، من ناحية أخرى، عليهم أن يعلموا أنه لا أحد فوق القانون والمساءلة، وأن زمن فرض الوصاية على الإرادة الشعبية بسلاح الأموال، ولّى إلى غير رجعة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!