ترك برس

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، يبرز الحديث عن انهيار النظام العالمي الذي هيمن لقرون، والذي كان مركزه أوروبا منذ وصول كريستوفر كولومبوس إلى أمريكا عام 1492. ووفقًا للإعلامي التركي توران قشلاقجي، فإن هذا النظام الذي رسم التسلسل الهرمي العالمي وحدد اتجاه الازدهار ومصير البشرية، يغرق الآن في أعماق التاريخ، مما يضع البشرية على مفترق طرق حاسم.

يشير قشلاقجي في مقال بصحيفة القدس العربي إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بالإضافة إلى الأحداث الدامية في غزة وتغاضي الغرب عنها، كانت من أبرز علامات انهيار هذا النظام. فالنموذج الفكري الذي حكم العالم لخمسة قرون لم يعد قادرًا على الصمود، مما يفرض على البشرية البحث عن بديل جديد.

على الرغم من هذا الانهيار، يحاول ورثة العالم القديم إعادة إحياء حضارة منهارة عبر تزيينها وإعطائها حياة وهمية. لكن التاريخ، كما يؤكد قشلاقجي، يعلمنا أن اتجاه النهر لن يتغير ما لم يتغير مجراه. فالمحاولات الحالية لإعادة إنتاج النظام القديم تشبه خدعة "التنمية" التي طُرحت على الدول النامية بعد الحرب العالمية الثانية، والتي كانت في جوهرها شكلاً آخر من أشكال الاستعمار.

يؤكد قشلاقجي أن البشرية اليوم مضطرة لبناء عالم جديد، ولكن هذا لن يتحقق إلا من خلال تجاوز منطق الرأسمالية وبناء نظام قائم على المساواة والحرية والعدالة والانسجام مع الطبيعة. ويحذر من أن الفشل في تحقيق هذا التحول قد يؤدي إلى واحدة من أكبر الانهيارات في تاريخ البشرية.

ويشير إلى أن الفكر اليساري، بما في ذلك التجربة السوفييتية، فشل في تجاوز حدود النظام الرأسمالي، بل سعى للّحاق بالغرب، مما أدى إلى فشل ذريع. ويحذر من أن العديد من الدول العربية والإسلامية لا تزال عالقة في نفس الخطأ، مما يعيق قدرتها على رؤية الانهيار الحالي والاستجابة له بشكل مناسب.

ويؤكد الكاتب أن التحرر الفكري هو الخطوة الأولى نحو بناء نظام جديد يحترم كرامة الإنسان. فكما قال مالك بن نبي، يجب على الدول العربية والإسلامية التخلص من "القابلية للاستعمار"، ويشدد علي شريعتي على ضرورة مواجهة آليات "الاستحمار" التي يفرضها النظام الرأسمالي.

ويقدم تركيا كمثال على التحول الداخلي الكبير، حيث بدأت في إجراء حوار جديد مع الأحزاب السياسية الكردية، وتعمل على صياغة دستور جديد يعكس عزمها على التخلص من قيود الغرب وبناء نظامها الخاص.

يختتم قشلاقجي بالتأكيد على أن النظام العالمي الاستعماري والإمبريالي الذي بدأ عام 1492 يقترب من نهايته، وأن بناء نموذج فكري جديد أصبح أمرًا لا مفر منه. والسؤال الرئيسي الذي يطرحه هو: من سيقود هذا التحول؟ هل سيستمر العالم في البحث عن حلول لأزمات الغرب باستخدام وصفاته القديمة، أم سنشهد ولادة حقبة جديدة للبشرية؟

في النهاية، يدعو قشلاقجي إلى عدم الاستسلام للتشاؤم، بل اعتباره دافعًا للعمل والتحرك، مؤكدًا أن الصحوات الكبرى تأتي دائمًا بعد أحلك الفترات.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!