
ترك برس
ينشأ الأطفال في يومنا الحالي وسط العالم الرقمي. فقد أصبحت الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من حياتهم اليومية. عندما تطلب ابنتي مني الهاتف لاستخدام اليوتيوب، أشعر كأم بالقلق… إلى أي مدى تكون الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية مفيدة للأطفال؟ وهل لدينا ضمانات لحماية خصوصيتهم الرقمية؟ لدي شكوك حول هذا الأمر. جداتنا، قبل بضعة أجيال، كن يعتبرن التلفزيون “صندوق الشيطان” عندما ظهر لأول مرة. ومع مرور الوقت، أصبح التلفزيون جهازًا بسيطًا. عندما جلبت أول آلة موسيقية إلكترونية إلى المنزل، استغربتها عائلتي. أي شيء غير معروف قد يبدو للوهلة الأولى “خطيرًا”. في العالم الإسلامي، لا يزال هناك تصور خاطئ عن التكنولوجيا… وكأن استخدام التكنولوجيا هو نظام يدمر الدين بالكامل… المهم هنا هو استخدام هذه الأدوات بشكل صحيح لتعزيز الإبداع. بالتأكيد، أطفالنا الذين يعيشون معنا يتأثرون بهذه الفرص كما نتأثر نحن في حياتنا اليومية. هذه التأثيرات تختلف بناءً على كيفية استخدام البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وعمر الأطفال، ونوعية المحتوى.
حسنا، هل ستكون هذه التقنيات أكثر إيجابية أم سلبية في مستقبل أطفالنا؟ أصبح من الصعب إبعاد أطفالنا عن التكنولوجيا، لأننا نحن أيضًا تكيفنا مع متطلبات هذا العصر. هم بالتأكيد يكتشفون أشياءً ويقلدوننا. لكنني أراقب ابنتي وهي تنظر إلى الشاشة، وأرى المحتوى السريع الذي تشاهده وأحيانًا الدعوات إلى “الدردشات المشتركة”. أقول في نفسي “الحمد لله أن ابنتي لا تعرف القراءة بعد”، لأنني لو كانت تعرف القراءة، كنت سأحرص على منعها من المشاركة في هذه الدردشات. أعتقد أن قنوات الدردشة المشتركة ليست بيئات موثوقة للأطفال في سن مبكرة. بالإضافة إلى ذلك، بعض المحتويات قد تجذب الأطفال بصريًا وتقنيًا، ولكنها في النهاية تبدو غير مفيدة ومضيعة للوقت. لسوء الحظ، أحيانًا يتم إدراج محتويات غير مناسبة حتى للبالغين بين محتويات الأطفال. لهذا السبب، عندما يكون الهاتف مع ابنتي، لا أشعر بالراحة وأشعر بالحاجة إلى مراقبتها باستمرار. ويبدو أنه من غير الممكن أن ننتظر منها عدم قضاء أي وقت على الهاتف.
أرى أيضًا العديد من الأخبار حول الألعاب. بعض الألعاب قد تبدو بريئة، ولكنها قد تؤدي بالأطفال إلى إيذاء أنفسهم أو حتى الموت. مثل ألعاب “الحوت الأزرق” و”تحدي مومو” و”لعبة الاختناق” وتيك توك… هذه الألعاب والقنوات هي جزء من الجانب المظلم للإنترنت.
الأطفال الذين يكبرون في عصر التكنولوجيا يستخدمون العديد من البرامج والتطبيقات. هذه البرامج تغطي مجموعة واسعة من المجالات، من التعليم إلى الترفيه، ومن الأمن إلى الإبداع. مثل دولينجو وفوتو ماث وسقراط من جوجل ودريم بوكس ويوتيوب كيدز وريبليكا…
هذه التطبيقات تقدم أدوات قوية تدعم تعلم الأطفال وإبداعهم وأمانهم.
بالطبع، هذا التحول له جوانب إيجابية. التحول الرقمي في التعليم، ومنصات التعليم عبر الإنترنت، والتطبيقات التفاعلية تسمح للأطفال بالتعلم بشكل أكثر متعة وفعالية. أنظمة الذكاء الاصطناعي تتكيف مع سرعة تعلم الأطفال وتقدم تعليمًا فرديًا. التكنولوجيا تساعد الأطفال على التعبير عن أنفسهم في مجالات مثل الفن والموسيقى والبرمجة. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلهم الأطفال في عمليات إبداعية مثل سرد القصص والرسم وتأليف الموسيقى. أنشطة مثل البرمجة والروبوتات وتصميم الألعاب تعزز مهارات التفكير التحليلي لدى الأطفال. الأطفال يمكنهم التواصل مع أشخاص من مختلف أنحاء العالم واكتساب الوعي الثقافي. المعلومات المتاحة في العالم الرقمي تمنحهم فرصة التعلم في أي موضوع يثير فضولهم.
هذه البرامج يمكن أن تتكيف مع السرعة الفردية لكل طفل. خاصة في تعلم اللغات والرياضيات ومهارات حل المشكلات. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهل هذه التطبيقات عمليات التواصل والتعلم للأطفال الذين لديهم احتياجات خاصة مثل اضطرابات النطق وعسر القراءة والتوحد. الأطفال الذين يتفاعلون مع هذه التطبيقات يمكن أن يصبحوا أكثر وعيًا بالتكنولوجيا ويطورون مهارات التفكير النقدي.
ولكن هذه التطبيقات التي تقدم العديد من الفرص للأطفال لها أيضًا جوانب سلبية. فهي تجعل الأطفال أكثر اعتمادًا على الشاشات وتقلل من تواصلهم الاجتماعي… والألعاب والتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها جمع بيانات الأطفال وتشكل خطرًا على الخصوصية… والحلول التلقائية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تعيق تطوير مهارات حل المشكلات لدى الأطفال. الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلًا مع الذكاء الاصطناعي قد لا يطورون مهارات التواصل وجهًا لوجه بشكل كافٍ. روبوتات الدردشة أو خوارزميات اقتراح المحتوى في هذه التطبيقات يمكن أن تعرض الأطفال لمعلومات خاطئة أو محتوى غير مناسب لأعمارهم.
قضاء وقت طويل أمام الشاشة يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في التركيز لدى الأطفال. إدمان الألعاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يسبب مشاكل نفسية. كما أن قلة النشاط البدني يمكن أن يؤدي إلى السمنة ومشاكل صحية أخرى… الأطفال قد يشاركون معلوماتهم الشخصية على الإنترنت دون وعي ويتعرضون للتنمر الإلكتروني. خطر الوصول إلى محتوى غير موثوق يجعل تعلم وقراءة الإعلام بوعي ضروريًا.
التكنولوجيا تقدم فرصًا كبيرة لنمو وتطور الأطفال، ولكن الاستخدام غير الواعي يحمل مخاطر جسيمة. تربية الأطفال في عصر التكنولوجيا تتطلب توجيهًا واعيًا وخلق توازن. لأنه عند استخدامها بشكل صحيح، يمكن أن تسهم التكنولوجيا بشكل كبير في نمو الأطفال. أمان الأطفال على الإنترنت لا يقل أهمية عن أمانهم الجسدي… لذلك، يجب على الآباء والمعلمين تربية الأطفال كأفراد واعين في العالم الرقمي. ويجب تحديد أوقات الشاشة وضمان أن يكون للأطفال علاقة متوازنة مع التكنولوجيا. ينبغي تعليمهم استخدام الإنترنت بأمان، وتوعيتهم حول الخصوصية الرقمية. ويجب اعتبار التكنولوجيا أداة وليس غاية، ويجب ألا تفصل الأطفال عن العالم الحقيقي. الدولة عليها أيضًا إنشاء نظام مراقبة ديناميكي يعمل على حجب المحتوى الضار باستمرار. ليس فقط الأطفال، ولكن الشباب والبالغين أيضًا يجب ألا يتعرضوا لمحتوى غير أخلاقي مثل القمار والمخدرات والدعارة، ويجب منع الوصول إلى هذه المحتويات من البداية.
إذا تم تحقيق هذه الشروط، يمكن اعتبار التكنولوجيا فرصة وإمكانية وليس تهديدًا للأطفال، ويمكن تقليل التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على الأطفال.
الإنسان كائن يتجاوز الزمان والمكان… نحن كائنات تميل إلى التطور والإنتاج. شعور الاكتشاف والابتكار كان موجودًا دائما لدى الإنسان عبر التاريخ. وكل جيل يضيف إلى ما تعلمه من الجيل السابق. لا يمكننا القضاء على التكنولوجيا. لذلك، دعونا نتشارك في هذا الإنتاج مع عائلاتنا. دعونا نستمر في الاكتشاف والإنتاج دون أن نفقد الروابط التي تجسدنا، ودون أن نتجاهل القيم الأخلاقية.
*تقرير تحليلي للكاتبة والباحثة التركية سورانور يتكين، نشرته مجلة كريتيك باكيش
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!