ترك برس

سلط مقال تحليلي للكاتب والإعلامي التركي إحسان أقطاش، الضوء على تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وإيران، وحلل هذه الهجمات في سياق أوسع يكشف عن مشروع استعماري غربي جديد يستهدف تفكيك العالم الإسلامي وإجهاض أي تقارب أو استقلال إقليمي.

وركز المقال الذي نشرته صحيفة يني شفق على أهمية تشكيل تحالف دفاعي إسلامي يضم دولًا مثل تركيا، إيران، السعودية، وباكستان، لمواجهة التهديدات المشتركة.

كما أبرز الدور القيادي الذي يمكن أن تلعبه تركيا في هذا الإطار، مستشهدًا بمواقف الرئيس أردوغان في الدفاع عن القدس وفلسطين، ودعوته إلى تأسيس ميثاق عدم اعتداء بين الدول الإسلامية كخطوة نحو نظام أمني إقليمي مستقل.

وفيما يلي نص التقرير:

نشهد منذ نحو عام ونصف هجمات إسرائيل المتواصلة على غزة، والتي تستهدف شعباً أعزل من نساء وأطفال وشيوخ بشكل ممنهج ومقصود، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه جريمة إبادة جماعية. وبينما أعرب جزء كبير من الرأي العام العالمي عن رفضه لهذا الإجرام الوحشي، فاللافت هو أن شريحة واسعة من الشباب في الولايات المتحدة باتت ترفض الوقوف إلى جانب إسرائيل، رغم هيمنة الاحتكارات المالية والإعلامية، وهذا بدوره يُثبت أن الضمير العالمي لم يمت بعد.

أما الهجمات غير المبرّرة التي شنّتها إسرائيل على إيران، فقد كشفت أن الأزمة في الشرق الأوسط لم تعد شأناً يخص دولة بعينها، فمبدأ العدالة الذي تلاشى بعد الحرب الباردة تحوّل إلى نظام يشرعن تدمير دول مثل العراق وأفغانستان واليمن، في سبيل خدمة المصالح الغربية.

ولفهم ما يجري اليوم في الشرق الأوسط، علينا أن ننظر من منظور أوسع. فبدلاً من تناول قضايا فلسطين أو إيران أو اليمن أو لبنان بشكل منفصل، علينا أن نقرأ ما يحدث كنسخة جديدة من سلسلة الاحتلالات والاستعمار الغربي التي بدأت قبل الحرب العالمية الأولى. فاستهداف إسرائيل لغزة لا يقتصر على هدف عسكري بحت، بل يندرج أيضاً ضمن سعيها لإفشال أي تقارب محتمل بين السعودية وإيران. ولو تحقق هذا التقارب فعلاً، لما بقي للولايات المتحدة أي مبرّر لوجودها العسكري في المنطقة.

وفي ضوء هذه التطورات المتسارعة، بات من الضروري العمل على تأسيس حلف دفاعي بين الدول الإسلامية كما اقترح رئيس وزراء باكستان. ويمكن أن تكون البداية من خلال اتفاق عدم اعتداء مشترك. إن إنشاء تحالف بين دول مثل تركيا، وإيران، والسعودية، وباكستان، ومصر، وإندونيسيا، وماليزيا، من شأنه أن يُشكّل الأداة الأكثر فعالية لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة. وقد سبق أن قامت تركيا بمبادرات مماثلة، أبرزها "ميثاق سعد آباد"، وأسهمت بدور رئيسي في تحقيق الأمن الإقليمي.

وفي هذه المرحلة يجب أن ننظر إلى التوتر القائم بين إيران وإسرائيل من منظور أكثر شمولية، دون الوقوع في فخ الانقسامات الطائفية والعرقية التي يسعى الإمبرياليون إلى تأجيجها. ففي وقتٍ يتعرض فيه 90 مليون إيراني للتهديد، فإن إثارة الخلافات الماضية لا تؤدي إلا إلى تقوية أيدي المحتلين. والمطلوب اليوم هو تطوير وعي دفاعي جماعي في مواجهة الهجمات الإمبريالية.

وهنا تبرز تركيا كواحدة من أبرز الفاعلين الإقليميين القادرين على لعب دور الضامن الحقيقي للسلم الإقليمي، بفضل قدراتها العسكرية ومبادراتها الدبلوماسية المتواصلة. فقد حولتها مشاريع البنية التحتية، والصناعات الدفاعية المتطورة، والسياسة الخارجية النشطة والفعالة تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، إلى مركز أمني للعالم الإسلامي. 

فعندما حاولت إسرائيل إعلان القدس عاصمة لها، تحرك الرئيس أردوغان آنذاك على الساحة الدولية، وتمكن من حشد دعم واسع، شمل الدول الإفريقية والدول الصغيرة وغيرها من دول العالم في المحافل العالمية، حيث وقفت الغالبية الساحقة ضد القرار الأميركي الإسرائيلي، فيما لم يصطف إلى جانبهما سوى 7 أو 8 دول هامشية. إن الموقف الذي اتخذه الرئيس أردوغان، بصفته الرئيس الدوري لمنظمة التعاون الإسلامي، والذي كان مؤيدًا للعالم الإسلامي والمضطهدين، قد حقق نتائج ملموسة.

ونأمل أن يستمر هذا النهج بأن تُظهر تركيا نموذجًا قياديًا في ملف "ميثاق عدم الاعتداء" بين الدول الإسلامية، إن الموقف الذي اتخذته تركيا خلال رئاستها الدورية هو مؤشر ملموس على ذلك.

علينا أن نستعد لحقبة جديدة قد تشهد موجات استعمارية أخرى تمتد من الهند إلى أفريقيا مستقبلا. فالغرب لا يستهدف فلسطين وحدها، بل كل دولة إسلامية معرضة لأن تكون هدفاً لهذا التهديد. ولهذا فإن الدور الدبلوماسي الذي تلعبه تركيا في تعزيز الثقة الإقليمية لا يحمل أهمية لتركيا فقط، بل لكافة الشعوب المستضعفة. وبصفتي أحد أبناء الأمة الإسلامية، أعرب عن امتناني لموقف رئيسنا أردوغان.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!