ترك برس
رأى المُفكّر التونسي محمد الحبيب (أبو يعرب) المرزوقي، دكتور الفلسفة العربية واليونانية، أن الرئيس التركي رجب أردوغان، أنقذ الجمهورية بفضل وعي شعبِه من "التمصير" بمحاولة الولايات المتحدة وإسرائيل ومعونة خونة الداخل إيجاد "سِيسي" جديد لمنع النهوض.
جاء ذلك في تقرير نشره المفكر التونس على موقعه الإلكتروني، تحت عنوان "أردوغان ومحاولة التشكيك في دلالة نجاحه"، على خلفية نجاح الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية الذي شهدته تركيا يوم الأحد الماضي.
وتساءل المرزوقي في بداية التقرير الأمر الذي "سيَقض مضاجع أعداء أردوغان؟"، مبينًا أنه "بخلاف ما يتوقع الكثير ليس نجاحه فحسب بل أمور أخرى تحول دون كل مهارِبهم في محاولة التشكيك في دلالة نجاحه".
واعتبر أن أعظم ما كان سَيعزي أعداء أردوغان في الداخل والخارج على حد سواء يعود إلى الأمور التالية: ما يمكن من التشكيك في قابلية النجاح للتصديق بنسبته، فلو كانت النسبة أكبر مما كانت لسهل عليهم اتهامه بالتزييف.
وأضاف المرزوقي: "اتهموه لكن التهمة فاقدة للمصداقية بسبب كون النسبة صورة موضوعية لتوازن القوى السياسية، ولو حصل تزييف فكانت النسبة كبيرة لكانَت التهمة الثانية تتجاوز أردوغان وحزبه إلى نضوجِ الشعب التركي للممارسة الديموقراطية: أن تعكس توازن القوى".
وأشار إلى أن "ما يظن علامة ضعف في النتيجة هو في الحقيقة سر القوة: فهي تبين أولا أن أردوغان لم يفعل شيئا ليزيف النتائج لا مسبقا ولا خلال الاقتراع. وتبين ثانيا أن الشعب التركي بلغ النّضوج الحقيقي للممارسة الديموقراطية فأضاف إلى قومتهِ التي أفشلت انقلابا شارك فيه أعداء الداخل والخارج علنا".
وتابع المرزوقي: "السؤال الآن -وهو من أسخف ما يرد على لسان عربي من طبالي حكام الاستبداد والفساد سواء كانوا من العسكر أو من القبائل هو ميل أردوغان للدكتاتورية. ولعل قولةَ ديغول (شارل) المشهورة تفهمنا معنى لحظات البطولة في تاريخ الأمم: اتهم بالميل الدكتاتوري لأنه وضع الخطة التي أرجعت لفرنسا منزلتها ودورها".
وأردف: "لعلي لا أبالغ إذا قلت إن ما فعله أردوغان أعظم مما أنسبهُ إلى ديغول: فهذا أنقذ فرنسا مرتين أولاهما بمساعدة الغرب كله والثانية بعدم تعطيله لها. لكن أردوغان والشعب التركي الواعي والبطل أنقذ الجمهورية من "التمصير" بمحاولة أمريكا وإسرائيل ومعونة خونة الداخل إيجاد سِيسي جديد لمنع النهوض.
وهو الآن -وقيادة للآتي لأن الحرب على نهوض السنة عامة وتركيا خاصة لن تتوقف- وعلاجا للأسباب الدستورية والمؤسسية تجاوز جمهورية ديغول الخامسة. لم يختر نصف رئاسي ونصف برلماني مثله بل اختار نظاما رئاسيا صريحا يحول دون ما عانت منه الجمهورية الخامسة من عقبة تساكن بين سلطتين تنفيذيّتين.
وأوضح المرزوقي أنه لا خوف من الدكتاتورية فما يوجد في الولايات المتحدة من جمع بين توحيد السلطة التنفيذية وتقييدها بالسّلطة التشريعية خاصة متوفر وإن بشكل آخر.
والشرط الآخر هو النقطة التي لا بد أن أعداء الداخل والخارج قد ازعجتهم أيما إزعاج: مشاركة الأتراك غير العادية في الانتخابات بخلاف الغرب. فهذه المشاركة العارمة -حوالي ثمانين في المائة من المسجلين-تعني أن العزوف السياسي في الديموقراطيّات الغربية يقابله حماسة سياسية لها علة عميقة.
وقال: "السياسة بمعنى المشاركة في رعاية الشأن العام تعتبر عند المسلم السني مقوما من مقومات تعريف الإيمان: آل عمران 104 بل هي علة الانتساب للخيريّة. ومعنى ذلك أن النهوض التركي ليس مجرد محاكاة للديموقراطية الغربية كما يتوهم الكثير بل هو إحياء لمقوّم من مقومات مفهوم الإنسان الحر في الإسلام.
ويرى المرزوقي أن الإنسان يحدده القرآن بمفهومين يختلفان عن مفهومي الحد الفلسفي (حيوان عاقل) وبصورة أدق يكملان تعريفه الإحيائي بتعريفه الخلقي المناظرين. المفهوم الأول: اعتبار الإنسان مستعمرا في الأرض = مطالب بتعميرها دلالة رمزية لدحض ما اتهمته به الملائكة: ألا يسفك الدماء وألا يفسد في الأرض.
والشرط تعريف في آل عمران 104 بكونه مأمورا بأن "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويؤمِن بالله". بلا إيمان بالله لا يكون التعمير حرا بل مضطرا. وبه يكون حرا أي إنه لا يعمر العالم بمنطق سفك الدماء والفساد فيكون التعمير بتهديم الإنسان بالتنافس والحرب والفساد كحال من يحارب أردوغان.
وأضاف: "بذلك تكون الجماعة التي تتنافس عليه متسابقة في الخيرات وهي إذن جماعة يمكن وصفها بكونها خير أمة أخرجت للناس آل عمران 110 = سياسة الإسلام. وتلك هي علة تعريف الحكم بكونه أمر الجماعة المؤمنة وبكونِها تسوسه بالشورى لتجنيب الجماعة صراعات الانفَاق من الرزق: الشورى 38".
وخلص الفيلسوف التونسي إلى أن "علة الحرب على تجربة تركيا: السياسة ديموقراطية بالجوهر ليسَ محاكاة قردية لتجربة غربية بل هي تحقيق فهم إسلامي لدور المؤمن في حكم نفسه بنفسه".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!