ترك برس

تناول تقرير للكاتب والإعلامي التركي عبدالله مراد أوغلو، تحليلاً عميقًا للتصعيد الإسرائيلي الأخير ضد إيران، محذّرًا من أن هذا العدوان قد يكون الشرارة التي تُشعل حربًا عالمية جديدة، في ظل تواطؤ أو تغاضٍ أميركي.

وقارن الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفق بين الأحداث الجارية وسوابق تاريخية كحروب البيلوبونيز وحملة صقلية، التي قادت حضارات قوية إلى الانهيار نتيجة الغطرسة وسوء التقدير.

كما استعرض أفكار المؤرخة باربرا توكمان حول "مسيرة الحماقة"، مشيرًا إلى تجاهل القادة للتحذيرات الواضحة.

ويرى أن إسرائيل تسعى إلى جرّ الولايات المتحدة إلى حرب شاملة في المنطقة، وأن على واشنطن، وخصوصًا إدارة ترامب، أن تعي أن دعمها الأعمى لتل أبيب قد يكون مكلفًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وفيما يلي نص التقرير:

"إسرائيل تُشعل حربًا عالمية من خلال هجومها على إيران".. قد يظن البعض أن هذا القول فيه شيء من التهويل أو السوداوية. غير أن المشاعر والحدس، في كثير من الأحيان، تُجسّد الواقع الذي نُساق إليه. وكما كان الحال قبيل اندلاع الحربين العالميتين، فإن الحماقة لا تزحف بصمت، بل تمضي إلى الأمام على وقع الطبول وأصوات الأبواق.

المؤرخة الأميركية باربرا توكمان أطلقت على كتابها الشهير في أوائل ثمانينيات القرن الماضي عنوان: "مسيرة الحماقة: من طروادة إلى فيتنام"، بينما اختار الألمان ترجمته تحت عنوان: "غباء من يحكمون". في هذا الكتاب، تناولت توكمان نماذج لحروب كارثية نشبت نتيجة تجاهل صانعي القرار للوقائع الواضحة أمامهم، وتعمّدهم عدم الإصغاء إلى التحذيرات. وقد أشارت إلى أن "مسيرة الحماقة" تسير دائمًا في وضح النهار، بينما المسؤولون يتجاهلون نُذُر الكارثة.

أما الجنرال الأثيني ثوسيديديس، فقد توقّع قبل نحو 2500 عام أن المستقبل يشبه الماضي، وتمنّى أن يكون كتابه حول "حروب البيلوبونيز"، التي أدت إلى انهيار الحضارة اليونانية القديمة، مرجعًا خالدًا عبر العصور. اعتقد أن ما ورد فيه من تحليل لقرارات البشر ومشاعرهم وتصرفاتهم التي تؤدي إلى الحروب، سيكون دليلاً للأجيال المقبلة لفهم سياقات الانحدار نحو الكوارث.

لقد كانت حروب البيلوبونيز — التي دامت 27 عامًا، وشاركت فيها مئات دويلات المدن، وشهدت تبدّل التحالفات وتغيّر مواقع الأعداء والأصدقاء — أشبه بـ"نسخة مصغّرة" لحرب عالمية سبقت زماننا. ومن أهم الدروس المستخلصة منها أن الحسابات الخاطئة قد تقود الأمم إلى مصائر كارثية لا عودة منها.

ومن أبرز الأمثلة في تلك الحروب، الحملة التي شنّتها أثينا على جزيرة صقلية الغنية بالمدن، حيث كان الأثينيون يخططون لنهب ثرواتها لتمويل حروبهم ضد خصومهم. لكن الغرور أعماهم، فانقلبت الحملة إلى كارثة، وأقر المؤرخون بأنها غيّرت مسار الحرب لصالح سبارتا. وفي تلك الحملة، تلقّت سبارتا دعمًا من الإمبراطورية الفارسية، خصمها القديم. ويُشبّه المؤرخون المعاصرون حملة صقلية بـ"فيتنام أثينا".

وقد أضعفت هذه الحروب كلًا من أثينا وسبارتا وسائر المدن اليونانية، لتسقط في نهاية المطاف بقبضة المملكة المقدونية الصاعدة من الشمال، بقيادة والد الإسكندر الأكبر. وهكذا، طويت صفحة الصراع بين أثينا وسبارتا.

واليوم، يبدو أن الإمبراطورية الأميركية تسير في الطريق ذاته، بمساندتها لإسرائيل وتوفير الغطاء لها، لتدفع منطقتنا نحو هاوية جديدة. لا أحد يصدّق أن إسرائيل أقدمت على مهاجمة إيران دون تنسيق مع الولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب وعد ناخبيه مرارًا بإنهاء "الحروب التي لا تنتهي". وعلى عكس ادعاءات المحافظين الجدد ودعاة الحرب المؤيدين لإسرائيل، فإن المواطن الأميركي العادي لا يريد لبلاده الانخراط في حروب نيابةً عن إسرائيل — وهذه حقيقة يدركها الجميع: ترامب، وإسرائيل، وحتى المحافظون الجدد أنفسهم.

إلا أن إسرائيل، التي تخشى فقدان الدعم الشعبي الأميركي، تسعى إلى فرض أمر واقع عبر الهجوم، لجرّ الولايات المتحدة إلى صراع شامل، وتحويل المنطقة إلى ساحة حريق شامل.

نحن نمرّ بمنعطف خطير تشهده خارطة القوى العالمية. وكما قال شكسبير: "نحن نندفع نحو زمنٍ خرج عن نطاقه". وهناك تحذيرات جديّة من أن الحروب التي بدأت بها إسرائيل قد تمتد لتشعل مناطق أخرى من العالم.

صرّح ترامب بعد انتخابه بأنه لن يشنّ حروبًا، بل سيضع حدًّا لها. لكن بدعمه نتنياهو، يفتح أبوابًا لحروب متعددة. والحقيقة أن ترامب يمتلك القدرة على كبح جماح إسرائيل، إن أراد ذلك. فإسرائيل تحتاج إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تحتاج واشنطن تل أبيب. والإسرائيليون أنفسهم يدركون جيدًا أنهم لا يستطيعون خوض أي حرب دون غطاء أميركي.

وقد قال السياسي الروماني المعروف كاتو الأكبر: "من يملك القدرة على منع الجريمة ولا يفعل، فإنه يشارك في ارتكابها." وترامب يتلقّى اليوم دعوات متزايدة من قاعدته الانتخابية تطالبه بعدم إدخال أميركا في حروب إسرائيل. وإذا كان لا يريد حروبًا جديدة فعلًا، فعليه أن يصغي لهذه التحذيرات، لا إلى همسات المحافظين الجدد.

لكنّ الحماقة التي تجاهلت دروس التاريخ، تتقدّم اليوم نحو منطقتنا بثبات، وكأنها تكرّر الكارثة من جديد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!