
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، جذور الدعم الأوروبي، وخاصة البريطاني والألماني، لإسرائيل من منظور تاريخي واستعماري، مؤكدًا أن هذا الدعم لا يرتبط فقط بمذابح الهولوكوست، بل يمتد إلى مشروع استيطاني قديم تسعى أوروبا من خلاله إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط عبر إسرائيل.
وينتقد التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق التصريحات الغربية التي تكشف عن دور إسرائيل كوكيل مباشر لبريطانيا، مبرزا التواطؤ السياسي والإعلامي الغربي في الحرب على غزة، مقابل صمت أو انحياز غير مبرر من بعض الأوساط المحافظة في تركيا.
ودعا الكاتب إلى إعادة قراءة المشهد من زاوية التحرر من الإرث الاستعماري لا الانجرار وراءه. وفيما يلي نص التقرير:
لقد حاولنا أن نوضح أن دعم ألمانيا لإسرائيل لا يرتبط مباشرةً بالإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد يهود وسط أوروبا في الحرب العالمية الثانية. وإلى جانب ذلك، من المعروف أن شعوب أوروبا الوسطى لم تكن معادية للصهيونية، وهي الأيديولوجية التي سعت إلى بناء وطن جديد لليهود على سواحل شرق البحر الأبيض المتوسط. فقد لعب الألمان والسلافيون في وسط أوروبا دورًا فعالًا في تأسيس إسرائيل الصهيونية؛ وكان التشيك والسلوفاك، على غرار الألمان والفرنسيين والبريطانيين يمدون المنظمات الصهيونية بالأسلحة في مواجهة الفلسطينيين. وعلى وجه الخصوص، لعبت الأسلحة التي أرسلها التشيك والسلوفاك دورًا حيويًا في عملية تأسيس الكيان الصهيوني. ولا يمكن تفسير دعمهم هذا بحماسهم للتخلص من اليهود، بل كانوا يرغبون في إقامة "أوروبا جديدة" في فلسطين، وهذه الخطوات تمثل استمرارًا للامتداد الاستعماري الأوروبي الذي بدأ في القرن التاسع عشر. فقد شاركت جميع شعوب أوروبا في السابق بشكل نشط في استعمار أمريكا، والآن تقود بريطانيا كما في الماضي، عملية بناء "أوروبا جديدة" في فلسطين. وهذه الحقيقة هي السياق التاريخي لتصريح رئيسة حزب المحافظين البريطاني، كيمي بادينوك، بأن "إسرائيل تخوض حربًا بالوكالة في فلسطين نيابة عن بريطانيا".
على الأرجح لم يتوقع أحد هذا الوضوح في تصريح كيمي بادينوك. كان من المتوقع أن تبدي بريطانيا - ولو شكلياً - بعض الاعتراض على الحصار والحرب والإبادة الجماعية والتهجير ومصادرة الممتلكات والتجويع المستمر والقتل منذ 600 يوماً في غزة. فالعقلانية البريطانية والمصلحة البريطانية التي اعتدنا تمجيدها تجعل من غير المعقول أن تشارك بريطانيا في الوحشية الصهيونية، ولكن الواقع فاجأنا. فقد اختارت بريطانيا الوقوف صراحة إلى جانب إسرائيل الصهيونية، سواء بعد 7 أكتوبر 2023 أو خلال الحصار الذي استمر عشرين عاماً. وبعد 7 أكتوبر 2023، قامت بريطانيا بإغراق إسرائيل بالأسلحة، بالإضافة إلى ذلك وضع البريطانيون قواعدهم في جنوب قبرص تحت تصرف الأمريكيين، وقدمت منها كل أنواع الدعم اللوجستي لإسرائيل.
وكما أشار جوناثان كوك، أحد كتاب صحيفة "ميدل إيست آي"، فإن بريطانيا وغيرها من القوى الغربية لا تكتفي بدعم إسرائيل في حربها ضد حركة حماس فحسب، بل تشارك طواعية في هذه الحرب وتوجهها. ووفقًا لهم، فإن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل تقع في صلب مصالحهم الوطنية. وفي البداية كانوا يتذرعون بـ "حماس" لكن الأحداث قللت من أهمية هذا الذريعة. فاستهداف المدنيين الجوعى الذين يركضون للحصول على كيس دقيق وقتلهم بعد أيام من الجوع لا يمكن تبريره بأي منطق أو نص قانوني. وينبغي البحث عن سبب توقيع بريطانيا على قرارات تُدين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية في هذا السلوك اللا أخلاقي. إنهم يتسابقون لاحتلال موقع في المشروع التوسعي الاستعماري الإسرائيلي بأي ثمن. ولاحظوا أنه مع مرور الوقت، بدأت الاتهامات التي تَصِف الفصائل الفلسطينية بالإرهاب تفقد زخمها، وأصبح النشطاء المؤيدون للقضية الفلسطينية على الصعيد العالمي ينظرون إلى العدوان الوحشي لبريطانيا وباقي الدول الغربية في سياق الاستعمار التوسعي.
إن تصريح رئيسة حزب المحافظين البريطاني، كيمي بادينوك، بأن "إسرائيل تخوض حربًا بالوكالة في فلسطين نيابة عن بريطانيا"، لا يحمل في طياته اتهامًا جديدًا، فليس هناك في بريطانيا من يتوقع مثل هذا التصريح من حزب المحافظين. كما أن رئيس الوزراء كير ستارمر وحزب العمال يسيران على نفس النهج السياسي. ومن ثَم فإن من يعتبر دعم بريطانيا وألمانيا لإسرائيل الصهيونية انعكاسًا لعقلية الدولة العميقة في كلا البلدين، هم على حق. بل إن ربط هذا الموقف بالمؤسسة الملكية في بريطانيا لن يكون مفاجئاً بأي حال.
وهذه الصورة التي تبرز لا تتوافق مع الآراء السائدة في تركيا، حيث لا تزال التقييمات التي تستند إلى اللاهوت اليهودي تهيمن في تركيا. ولسبب ما، فإن صورة بريطانيا كقوة استعمارية عرقية عدائية ومجرمة ومرتكبة إبادة جماعية تصطدم بحواجز تحكمها تحيزاتنا. بل إن بعض الجماعات القومية والمحافظة تتجاهل حقيقة الإبادة التي تشارك فيها بريطانيا وألمانيا، وتصب تركيزها باستمرار على تركيا. ولم يكن من المستغرب أن تتبنى الأوساط الموالية للغرب هذا الموقف، لكن تبني الجماعات القومية والمحافظة لنفس الموقف يعد تطورًا خطيراً. علماً أن بريطانيا كانت من البداية قوة إمبريالية استعمارية أسست ودعمت إسرائيل الاستيطانية الاستعمارية، كما أن الصهيونية كانت أيديولوجية طورتها بريطانيا.
لقد اعتدنا على التفكير في الحروب بالوكالة في سياقات مختلفة، ولكن الحرب بالوكالة الحقيقية في منطقتنا تُخاض عبر إسرائيل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!