فادي قدري أبوبكر -خاص ترك برس
أعوام معدودة تفصلنا عن العام 2020م، ذلك العام الذي حدده الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي لتحقيق مشروع "القدس الكبرى"، حيث انطلقت عجلة هذا المشروع إلى الأمام دون تراجع بعد عام 1967م مباشرة، وتم تحديد العام 2020م ليكون عام الإنجاز.
وعلى هذا الأساس سنحاول في هذه الورقة أن نقرأ المناورات المتعددة التي قامت وتقوم بها حكومة الاحتلال على الأقل في الأشهر القليلة المنصرمة، سعياً منا لفهم دلالات التوقيت والأهداف.
طرح حزب «الليكود» الحاكم، مؤخراً، من خلال النائبين الوزير “إسرائيل كاتس” و”يوآف كيش” على طاولة الكنيست مشروع قانون القدس الكبرى، ما يؤكد جدية المشروع، الذي ينص على ضم مستوطنات كبرى وهي: "معاليه أدوميم" ،"غفعات زئيف"، "غوش عتصيون" ،"أفرات" و"بيتار عليت" إلى حدود بلدية القدس، وتضم هذه المستوطنات حوالي 150 ألف مستوطن، وفي المقابل سيتم إخراج مناطق مخيم شعفاط وعناتا وكفر عقب البالغ عدد سكانها حوالي 100 ألف مواطن فلسطيني من حدود البلدية.
تُثار قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، من لحظة تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد وقع ترامب في الأول من حزيران لهذا العام على أمر بإرجاء نقل السفارة مدة ستة أشهر، مع تأكيد البيت الأبيض في بيان صادر عنه " أنه ينبغي أن لا يُنظر إلى الخطوة على أنها تراجع عن الدعم القوي، الذي يقدمه الرئيس ترامب لإسرائيل وللتحالف الأمريكي-الإسرائيلي.
بغض النظر عن قرار التأجيل، إلا أن بيان البيت الأبيض يمكن فهمه على أن نقل السفارة أمر ممكن حدوثه مع نهاية العام القادم، ونقل السفارة يعني إعطاء الضوء الأخضر لإعلان القدس عاصمة موحدة لدولة الكيان، وهذا الإعلان سيكون بمثابة القطعة الأخيرة المتبقية لإنشاء "القدس الكبرى".
تقودنا دلالات ومؤشرات عديدة على أن هذا العام والأعوام القليلة القادمة ستكون الأقسى على مدينة القدس، أبرزها :
- وفقاً لتقرير صادر عن "المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان" بتاريخ 18 حزيران/ يونيو 2017، فإن الحكومة الإسرائيلية رصدت أكبر ميزانية لمدينة القدس منذ احتلالها.
- مصادقة الكنيست الإسرائيلي على قانون حسم رواتب الشهداء والأسرى، بموافقة ودعم الرئيس دونالد ترامب.
- مصادقة الحكومة الإسرائيلية على مشروع لتهويد المناهج التعليمية في القدس، بموافقة ودعم الرئيس ترامب.
- دعم البيت الأبيض الصريح للإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال ( البوابات الإلكترونية) عقب العملية الأخيرة.
مما لا شك فيه أن رئاسة ترامب تعني الكثير للكيان الإسرائيلي، فهي ساعدت في خلق أعباء ثقيلة على كاهل القيادة الفلسطينية عبر قضيتي التعليم ورواتب الأسرى والشهداء، وعلى الرغم من أن نظرية المؤامرة غير مثبتة علمياً، لكن صعود ترامب إلى سدة الحكم في العام 2017م ؛ ترامب الذي كان يركز على قضية نقل السفارة في دعايته الانتخابية، والذي تنتهي ولايته مع نهاية عام 2020م! (أي تاريخ إنجاز مشروع القدس الكبرى)، قد يثبت مع الأيام نظرية المؤامرة، وأن ترامب لم يأتِ مصادفة، وإنما جاء في زمن محدد لتنفيذ مشروع محدد خططت له الحركة الصهيونية واللوبي الصهيوني.
أما بخصوص قضية البوابات الالكترونية، والتي انتهت بتراجع الكيان الإسرائيلي وإزالتها، وعلى الرغم من التحليلات والآراء التي تناولت أبعاد هذه القضية، فيمكن قراءتها من منظور آخر ووفقاً لما سبق ذكره، بأنها مناورة إسرائيلية تهدف إلى جس نبض الشارع الفلسطيني، إلى جانب اختبار أداء شرطة وجيش الاحتلال في القدس، تمهيداً للمرحلة القادمة.
جاهل من لا يزال يحلم بحل الدولتين، فقد انتهى هذا الحلم في ظل الخطاب الصهيوني والتوسع الاستيطاني، الذي بسببه اليوم لا توجد خارطة ولا عدد دقيق لأي شيء في القدس، فالاحتلال الإسرائيلي يتعمد إبقاء الخرائط مفتوحة كما الحدود ليتسنى لها تغيير الوقائع كلما قضتها الحاجة إلى ذلك.
صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي منذ العام 1947م عشرات القرارات التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للشطر الشرقي من القدس، وثمة قرارات تطالب الدول بعدم إقامة بعثات دبلوماسية وسحب القائم منها. على الرغم من ذلك ما زال النشاط الاستيطاني في القدس آخذاً في التغول أكثر فأكثر.
لم تعد الاعترافات الدولية والنجاحات الدبلوماسية الفلسطينية ذات قيمة للفلسطينيين في ظل التغول الاستيطاني في القدس، غياب المحاسبة الدولية و تخلي المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته.
يبدو في ظل الصمت العربي والدولي الرهيب، والدعم الأمريكي الترامبي الممنهج، والمناورات الاستعمارية الاستيطانية، أن هنالك مشروع لحل القضية الفلسطينية في إطار إقليمي وليس دولي، مشروع أقل ما يمكن تسميته بأنه مؤامرة لتغيير الوضع التاريخي للقدس تمهيداً لمحو فلسطين من الخارطة.
السؤال الأكثر تداولاً: ماذا يجب على الفلسطينيين فعله ؟! ... سؤال كبير لا يمكن إجابته في مقالة أو اثنتين، ولكن هناك خط أحمر إن تم تجاوزه، فلن يعد لأي إجابة أية أهمية، وهو ألا نمتلك "القابلية للاستعمار*".
ما يُقارب السبعون عاماً ونحن نتجرع الذّل و الاهانة .. نعيش مآسي القتل والاعتقال، التهجير، التشريد وهدم البيوت .. بتنا نعيش كل هذا كمسألة معتادة، كأنها نمط من أنماط حياتنا، نجلس وننتظر دورنا .. !
من الطبيعي أن يعرينا الاحتلال من حقوقنا، لأن هذه هي طبيعة مهام الاستعمار .. أي استعمار.. ولكن الغير طبيعي والكارثي أن نعتاد على كوننا عُراة إلى أن نصل مرحلة يصبح التعري فيها فِعلُنا المعشوق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس