ترك برس
أشار الخبير التركي يحيى بستان إلى أن الإمبريالية في الشرق الأوسط تتبع نمطًا متكررًا في مواجهة القوى الصاعدة، حيث تلجأ إلى وسيلتين رئيسيتين هما نشر الفوضى والاضطراب، وتشكيل تحالفات مضادة، ضاغطة على تلك الدول عبر إسرائيل.
وفي هذا السياق، تناول بستان في مقال بصحيفة يني شفق دور تركيا كإحدى القوى الصاعدة في المنطقة، مؤكدًا أن تركيا، التي أظهرت رغبة واضحة في زيادة تأثيرها الإقليمي منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية، كانت هدفًا رئيسيًا للمحاولات الإمبريالية للحد من قوتها عبر إشعال التوترات في محيطها الإقليمي.
تركيا و"الربيع العربي": فوضى وتحديات مستمرة
وفي سياق حديثه عن الأوضاع الإقليمية، أشار بستان إلى أن تركيا قد واجهت تحديات هائلة في السنوات الأخيرة بعد اندلاع "الربيع العربي" في 2010. فقد تحولت المناطق الجنوبية من تركيا إلى "دائرة من النار" مليئة بالتنظيمات الإرهابية والقوى الميليشياوية. كما شهدت المنطقة صعود تنظيم "داعش" في العراق، وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة، فضلاً عن الأحداث المروعة التي شهدتها سوريا.
وتابع بستان موضحًا أن تركيا كانت تواجه أيضًا ضغوطًا إضافية من القوى الإمبريالية، خاصة في شرق المتوسط، حيث ظهرت تحالفات معادية ضمت دول الخليج وإسرائيل، مما شكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي. كما شهدت البلاد تحديات داخلية أبرزها محاولة انقلاب 15 يوليو 2016 وهجمات تنظيم "بي كي كي" الإرهابي.
تحولات جديدة: تركيا تنتهج استراتيجيات مضادة
على الرغم من هذه التحديات الكبيرة، يعتقد بستان أن تركيا نجحت في صياغة استراتيجيات مضادة لكسر هذا الحصار، مما يعكس قدرة أنقرة على التكيف والعودة إلى مسارها الإقليمي بقوة. وأوضح بستان: "اليوم، بعد عقد من الفوضى، يمكن وصف تركيا بأنها تقف على عتبة مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو، وكأنها تقول: 'أين توقفنا؟ لنواصل من هنا'".
التحولات الإقليمية: فرص جديدة للسلام والاستقرار
تطرق بستان إلى التطورات الإقليمية التي ساعدت في تفكيك الضغوط على تركيا، مشيرًا إلى أن منطقة قره باغ بدأت تشهد استقرارًا نسبيًا، مع اقتراب التوصل إلى اتفاق بين أذربيجان وأرمينيا. كما أشار إلى التقدم الذي تحقق في العراق، حيث أظهرت حكومة السوداني التزامًا ببناء عراق مستقر من خلال مشروع "طريق التنمية" الذي يعد خطوة كبيرة نحو الاستقرار الاقتصادي.
أما بالنسبة لسوريا، فقد أشار بستان إلى أن تركيا ترى فيها محورًا رئيسيًا للتحولات الإقليمية القادمة. فقد شهدت العلاقات بين تركيا وسوريا تحسنًا ملحوظًا بعد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق، حيث تم الإعلان عن خطة لدمج جميع الفصائل المسلحة في صفوف الجيش السوري، مما يضيق الخناق على تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. كما أشار فيدان إلى أهمية "المواطنة الدستورية" في سوريا، مع التأكيد على ضمان المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز.
لبنان: بين التوترات والصراعات الإقليمية
أما في لبنان، فقد أشار بستان إلى أن البلاد لا تزال تعاني من تداعيات التوترات بين إسرائيل وإيران، مما يعرقل استقرارها. رغم ذلك، أضاف بستان أن اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي كان "بارقة أمل" وفتح أفقًا للتعاون بين البلدين في المستقبل. وقال ميقاتي: "تعلمنا أن نثق أولًا في الله، ثم في تركيا"، في إشارة إلى الدور المتزايد لتركيا في المنطقة.
مشروع "حزام الاستقرار": التهديدات والتحديات
تحدث بستان عن مشروع "حزام الاستقرار" الذي تسعى تركيا إلى إنشائه من خلال تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن ملامح هذا المشروع بدأت تتضح، فإن بستان أشار إلى أن هناك عدة تهديدات قد تعيق تنفيذه، أبرزها:
إسرائيل: تعتبر إسرائيل واحدة من أكبر التهديدات في المنطقة، حيث تواصل سياساتها الاحتلالية والفصل العنصري، مما يسهم في خلق الاضطرابات وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. وأكد بستان أن قدرة إسرائيل على المناورة ستكون محدودة في الفترة المقبلة.
إيران: رغم تقلص دور إيران في سوريا، يعتقد بستان أن طهران قد تحاول تعزيز نفوذها في العراق، خاصة عبر استغلال تنظيم "بي كي كي". كما أن إيران قد تستهدف زعزعة استقرار الحكومة السورية الجديدة من خلال استمالة المجموعات الشريكة.
الدول العربية: رغم التردد الذي أبدته بعض الدول العربية في دعم التحركات الإقليمية الجديدة، مثل الإمارات التي لم تشارك في اجتماع الدوحة، فإن بستان يرى أن قطر والسعودية قد تلعبان دورًا إيجابيًا في دعم التحولات الإقليمية. كما اعتبر أن زيارة الرئيس التركي إلى القاهرة "كسرت الجليد" في العلاقات مع مصر.
دعوة للعمل الجماعي لتحقيق الاستقرار
ختم بستان تصريحاته بالتأكيد على أن الوقت قد حان للعمل الجماعي لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة. وقال: "يجب على دول المنطقة أن تدرك أن شعوبها لا تحتمل مزيدًا من الأزمات والخسائر لعقد جديد بسبب المصالح الضيقة أو الرؤى قصيرة الأمد. حان الوقت للعمل معًا لتحقيق الاستقرار والازدهار للجميع".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!